بفضل سياستها في محاربة الفقر والبطالة نجحت المملكة المغربية في وضع أسس دولة مستقرة في منأى عن تداعيات الهجرة والإرهاب .
دي سيباستيانو كابوتو – الداخلة
التحولات العميقة التي أحدثها ‘‘ الربيع العربي ‘‘ في المنطقة العربية أنتجت وضعا سياسيا هشا. فالربيع العربي الذي ولد في إطار تلقائي كرد فعل على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أسفر عن تعيين حكومات غير مستقرة ومذعنة للتدخل الأجنبي. هذه الصيرورة التاريخية، وضعت حدا لسيطرة عدد من الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، التي كان يساندها الغرب سابقا كما سمحت بصعود تيارات محافظة للسلطة . ففي خضم الانتفاضات الشعبية التي عرفتها الدول العربية، بما فيها دول افريقيا الشمالية بين 2011 و 2015 طفت على السطح أسماء شخصيات وقيادات ترتبط بالإسلام السياسي، الذي أسسه حسن البنا منذ 1928 .
ليبيا التي تخلصت من القذافي بمباركة فرنسية وبريطانية وأمريكية تشهد اليوم حضورا كبيرا للتنظيمات الجهادية التي أعلنت ولائها لتنظيم الدولة الإسلامية. في مصر، استولى الإخوان المسلمون على زمام الأمور بعيد ثورة ال25 من يناير حيث تقلد السجين السابق والممنوع زمن الرئيس المخلوع مبارك، محمد مرسي، مقاليد الحكم قبل أن يعود
الجيش للسيطرة على الأمور. في تونس ، صعد الغنوشي والنهضة، الحزب الاسلامي المحظور زمن بن علي إلى السلطة وشاركوا في حكومة الوحدة الوطنية التي أعقبت ما صار يعرف اليوم ب ‘‘ ثورة الياسمين ‘‘ .
على النقيض من كل هذا، نجح المغرب في الحفاظ على استقراره السياسي وحماية الملكية الدستورية، عبر إدماج حزب العدالة والتنمية في العملية السياسية، إثر فوزه في الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2012، التي حملت عبد الإله بن كيران أمينه العام لتولي منصب رئيس الوزراء .
فبعد أسابيع قليلة من اندلاع الثورات العربية، استبق النظام المغربي الأوضاع الجارية في المنطقة بإعلانه صراحة خوض غمار إصلاح سياسي ودستوري شامل. الملك محمد السادس الذي اعتلى العرش بعد وفاة والده العاهل الراحل الحسن الثاني، اقترح في خطاب تاسع مارس 2011 وضع دستور جديد للتصويت من قبل كل فئات الشعب المغربي، وحاز على ثقة المغاربة بنسبة عالية. و من بين أهم الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 ، تعيين الملك لرئيس الوزراء من الحزب الذي يفوز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية .
بالإضافة إلى ذلك، فالمملكة استفادت من خبرتها الذاتية في محاربة الإرهاب لتحد من خطر شبح تنظيم القاعدة الذي كان قد ضرب البلاد سنتي 2003 و 2007 . حتى نزاع الصحراء مع جبهة البوليساريو لم يعد يثقل كاهل الدولة المغربية كما كان عليه الشأن سنوات الثمانينيات من القرن الماضي .
في صلب هذه الفلسفة جاء إطلاق الاحتفالات بالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء كإشارة قوية على أن مسلسل التحديث والتطوير لا يتوقف. احتفالات خاصة جدا لتزامنها مع إطلاق جملة من المشاريع تتوخى تعزيز فرص التنمية ومحاربة الهشاشة والبطالة في الأقاليم الجنوبية، الذين يعتبران أول
أسباب الهجرة والتطرف يقول لامين بنعمر والي جهة الداخلة، مضيفا أن حوالي 500 شاب مغربي التحقوا بالدولة الإسلامية خلال السنتين الأخيرتين. غير أن المسؤول ذاته عاد للتأكيد على دور الأجهزة الأمنية في تتبع ورصد العناصر الإرهابية، منوها بفعالتها في تعزيز أمن واستقرار المغرب . لامين بنعمر تسائل حول الجدوى من إغلاق الحدود أمام الحجافل المهاجرة القادمة من العمق الإفريقي، في الوقت الذي ينجح فيه المهاجرون دائما في إيجاد وسيلة ما للالتفاف على هذه الحدود . لكنه في المقابل دعا إلى تعميق آليات التعاون وإقامة شراكات متوازنة بين الدول، وتحديدا دول المغرب العربي وأوروبا للتصدي للظاهرة .
المغرب نموذج في مقاربة الهجرة والتعامل مع الحشود المهاجرة. فالحدود الشرقية مع الجزائر مغلقة منذ ازيد من عقدين من الزمن، فيما ترابط دوريات الجيش المغربي على طول الشريط الحدودي مع موريتانيا. ‘‘ لو توفرت لدينا الإمكانيات الكافية لاستوعبنا كل الأعداد المهاجرة ووفرنا لها شروط العيش الكريم ومناصب الشغل ‘‘ يؤكد والي جهة الداخلة .
في أوروبا تغيرت الأوضاع بصورة عميقة ، واتجاه الهجرة أخذ أبعادا غير مسبوقة. فسابقا كان المغاربة يرون في الضفة الشمالية للحوض البحر الأبيض المتوسط ‘‘ إلدورادو ‘‘ سيفسح أمامهم المجال لتحسين ظروف عيشهم، لكنهم اليوم يغادرون وبأعداد كبيرة دول الاستقبال للعودة إلى وطنهم الأم. رسميا، المغرب يشارك في الرؤى والتوجهات الدولية والإقليمية الرامية لايجاد حلول لمعضلة الهجرة التي تهدد كل بلدان المنطقة اليوم .
إعداد: حسن بن جوا