أمارس مهنة الصحافة منذ أكثر من 15سنة، ولم يسبق لي يوما أن سمعت بأسماء المحققين الصحفيين الجدد، إلا بعد متابعتهم أمام القضاء، وبعد أن انتشر خبر طلبهم اللجوء السياسي في دولة اسكندافية.
وأتساءل مع نفسي من أين حصل عليهم كبير المحققين المعطي منجب، وأي جريدة كانوا يشتغلون بها، أو أي قناة، أو أي موقع إلكتروني.
أعرف تقريبا أسماء الصحفيين واحدا واحدا، بحكم العشرة الطويلة، والعناوين الكثيرة التي نلتقي فيها، والأخبار والمقالات التي يكتبونها، إلا محققي المعطي منجب الجدد.
وأعرف حتى الزملاء العاطلين عن العمل، وهم كثر، ونلتقي مع بعضنا البعض في المقاهي، ونلتفن لبعضنا، لأننا جميعا في هذه المهنة معرضون في أي لحظة لخطر التوقف عن العمل، واليوم هم، ونحن غدا.
إلا صحفيي المعطي منجب.
لم يحصل لي شرف التعرف عليهم أو قراءة ما يكتبونه من قبل.
لقد خلقوا من عدم.
جاء بهم من مكان لا يعلمه أحد.
بلا بطاقة صحافة. وبلا منبر. وبلا أي شيء.
وفجأة صاروا محققين يشتغلون مع كبيرهم الذي علمهم السحر.
ومباشرة إلى التحقيق الصحفي.
ربما جاء بهم من مهن أخرى، أو من اللا مهنة، والمهم في هذه القضية أنهم أصبحوا اليوم ضحية لغياب حرية التعبير والرأي في المغرب، ولغياب العدالة.
وقد قرأت في موقع كود عنوانا يتعلق بهم، ويقول “واش رجعنا لسنوات الرصاص و اللجوء السياسي؟”.
وبعد الحاقد، هاهم المحققون يطلبون اللجوء السياسي.
وقبل أن نتمتع بمقالاتهم وأخبارهم وسكوباتهم قرروا اللجوء إلى الخارح.
وها هو العالم الحر يتدخل ليحمي الصحفيين الأحرار في المغرب، دون أن يمارسوا مهنة الصحافة.
وها هي صحافة الغرب الديمقراطي تكتب عنهم وتحذر المغرب من مغبة العودة إلى الماضي الأسود.
وأنا مستعد أن أتضامن معهم ابتداء من اليوم، شرط أن يخبرنا المعطي منجب، وهو في هذه الأثناء غير مضرب عن الطعام، عن المهن التي جاؤوا منها.
وهل يرى أنه من حق معلم أو جزار أو مناضل أن يأتي على حين غفلة ويمارس مهنة الصحافة، وأي جنس من أجناسها.
وكما لا يقبل طبيب أن نتطفل على مهنته، فربما لا يقبل الصحفيون أن يأتي أغراب ويمارسوا مهنتهم، وينتحلون الصفة.
لا.لا.
لم يكن موقع كود موفقا في العنوان الذي وضعه على شكل سؤال.
نحن لم نعد إلى زمن سنوات الرصاص واللجوء السياسي.
نحن نقلد التاريخ فحسب.
ونحاول عبثا تكراره واجتراره وتمطيطه من أجل أن نربح وأن نحصل على المال من الخارج.
هذا زمن آخر.
وحتى لو أرادت الدولة أن تعود إلى سنوات الرصاص، فلن تقدر على ذلك، لأن الشروط لم تعد تسمح.
هذا زمن السفارات، والجمعيات، وزمن الدعم، والريع النضالي، الذي يحتاج إلى سنوات الرصاص ويتشبث بها ويقبض عليها كمن يقبض على الجمر كي يستمر في العيش.
الصحفيون عاطلون عن العمل، ومنتحلو الصفة، يتقاضون الملايين كمنحة لإنجاز تحقيقات صحفية، وقد تفرجنا على ذلك، وقرأنا تلك التحقيقات، وضحكنا، وكان ضحكنا كالبكاء.
ولأن القضية مربحة، فهناك من ترك عمله الأصلي، واستقر في الرباط ليصبح محققا صحفيا.
ومن جاء ليتفرغ للنضال.
ومن طلب اللجوء كخطوة أولى في عاصمة المملكة.
والقصة لم تعد تخفى على أحد، والحكايات الآن كثيرة ومسلية وتستمر إلى ما بعد منتصف الليل.
لكني رغم ذلك لا أنكر جرأة وشجاعة المحققين والمناضلين الجدد
فأن تقوم بتحقيق صحفي وأنت لست بصحفي، فإن ذلك يفترض منك أن تكون انتحاريا
وكاميمازا
وأن يكون الإغراء كبيرا
ومستعدا لأي شيء
وأن تكون الطريق بالنسبة إليك سالكة في النهاية
وأن تطلب اللجوء السياسي وتحصل عليه في الحين وأنت متابع
بينما ينتظر العالم أجمع ماذا سيفعل كبير المحققين
وهل سيعود مرة أخرى إلى الإضراب عن الطعام
أم أنه سيلتحق بتلامذته الذين علمهم تقنيات التحقيق
ويطلب اللجوء هو الآخر
فتعود سنوات الرصاص
ويعود المغرب إلى الماضي
ونعود معهم نحن أيضا
ونكتب عنهم
ونركب معهم آلة الزمن.
لا
لا
لم نعد إلى سنوات الرصاص
كما كتب موقع كود
هذا عصر مختلف
وهذه سنوات العجب العجاب
يختلط فيه كل شيء بكل شيء
وتختلط المهن مع بعضها
والثوري يلتحق بعد أشهر بعدوه
هذا عصر المال
الذي يأتي من كل الجهات
هذه سنوات غريبة
يطلق فيها الكلام على عواهنه
ويصنع فيها الأبطال والضحايا صنعا
هذه سنوات يذوب فيها الرصاص
ويفقد فيها الكلام معناه
هذه سنوات المحققين الجدد
والمناضلين الجدد
هذا هو العهد الجديد
الذي خلق
جيله الجديد
ومناصريه الجدد
ومعارضيه الجدد
في تبادل أدوار
ومنافع
وتغيير مواقع
لم يعرف المغرب مثيلا له من قبل
وبعد أن كان اللجوء السياسي يعني ما يعني في الماضي
صار في سنوات ذوبان الرصاص بلا معنى
ومثيرا للشكوك
وصار الصحفي ليس صحفيا
والصحافة المستقلة تعني أشخاصا دخلاء على الصحافة
والمناضل ليس مناضلا
والأشياء صارت تعني عكسها
ولم يعد أحد يتفاجأ
ولم يعد أحد يسأل
وهذا طبيعي
بفعل أزمة البطالة
وأزمة غياب الأحزاب
التي تركت فراغا
دخل منه المناضلون الجدد
والمحققون الجدد
واللاجئون الجدد
والوطنيون الجدد
الذي لا يشبهون في شيء
مناضلي
ولاجئي
ووطنيي
سنوات الرصاص
وبمجرد وصولهم إلى بر الأمان يفرحون
ويشتموننا
وينعتوننا بالعبيد
ويمزقون جوازات سفرهم
أمام أنظار الكاميرات
وها نحن بعد أن حرمنا من فنان الشعب
وملاكم الشعب
سنحرم من محققي الشعب الصحفيين
ومن صحافتنا المستقلة
ويالها من خسارة
ومن سنوات رصاص نيو
في حلة قشيبة
وطبعة مزيدة ومنقحة.
حميد زيد كود