أكثر مايلفت انتباهي ـ كباحث ـ أن المملكة المغربية الشقيقة تمضي على درب التنمية برزانة وهدوء عميق، اكتسبته من موروث تاريخي حضاري عميق يمتلكه هذا البلد الشقيق، تدعمه حكمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس ـ نصره الله ـ التي تضفي قدرا هائ لا من الخصوصية على سياسات وتوجهات المملكة.
ولقد تابعت مؤخراً انطلاق المرحلة الأولى من مشروع هو الأكبر من نوعه عالمياً في مجال انتاج الطاقة الشمسية، وهي محطة “نور ـ1” ضمن سلسلة محطات “نور ـ ورزازات” الممتد على مساحة تبلغ نحو 3000 هكتار، ويستهدف تزويد نحو مليون منزل مغربي بالطاقة عبر مصادرها النظيفة والمتجددة.
هذا المشروع الطموح، الذي تبلغ إجمالي استثماراته النهائية المستهدفة نحو تسعة مليارات دولار يعد بمنزلة طفرة نوعية حقيقية على مستوى التخطيط والتنمية في المملكة المغربية الشقيقة، حيث يتصدى لأحد أهم احتياجات الشعب المغربي، وهي الطاقة الكهربائية، التي تستورد منها المملكة مايفوق 90% من احتياجاتها، في حين أن هذا المشروع الواعد يستهدف تلبية نحو 42% من هذه الاحتياجات من خلال مصدر نظيف ومتجدد.
ولاشك أن التوجه نحو الطاقة النظيفة يمثل استجابة تخطيطية ايجابية مهمة من جانب القيادة المغربية، ليس لكون هذا المصدر هو موضع اهتمام دولي مكثف فحسب بحكم ديمومته واستدامته، وبالتالي تزايد الاعتمادية الدولية عليه في السنوات الحالية، ولكن أيضا لأن الطاقة النظيفة تستجيب لأحد أهم مصادر الاهتمام والقلق العالمي، المتمثلة في الحد من تأثيرات الاحتباس الحراري، والحاجة الملحة إلى خفض الانبعاثات الكربونية والحد من البصمة الكربونية لكل دولة على حدة، حيث أصبحت هذه البصمة ونصيب الدول من إنتاج الغازات الدفيئة، بمنزلة معيار تقاس من خلاله نوعية جودة البيئة في هذه الدولة أو تلك.
ولاشك أن هذا المشروع التنموي العملاق يعكس جدية القيادة المغربية في توظيف الموارد الطبيعية للبلاد على الوجه الأمثل، وتعظيم فرص الأجيال المغربية المقبلة في الحصول على مستقبل آمن، وامتلاك مقومات التنمية المستدامة، التي باتت مفتاحاً للتخطيط العصري في القرن الحادي والعشرين.
المكاسب الاستراتيجية المتوقعة من انخراط المملكة المغربية بركب التقدم على صعيد التنمية المستدامة من خلال بوابة الطاقة النظيفة والمتجددة لا تقتصر على ماسبق فقط، بل إن الأسبقية في هذا المجال الحيوي تعد ميزة نوعية إضافية للمملكة، التي يمكن لها أن تضع نفسها في مقدمة مضمار سباق الطاقة العالمي، الذي يعد العمود الفقري لخطط التنمية والتصنيع، حيث يتوقع أن تصبح المملكة المغربية الشقيقة بعد الانتهاء من استكمال محطات هذا المشروع أحد أهم منتجي الطاقة النظيفة في العالم، فضلا عن ما يعنيه امتلاك الخبرات في هذا القطاع الاستراتيجي الواعد، ناهيك عن امكانية التوسع الاضافي مستقبلاً بحيث تتحول هذه الطاقة إلى مصدر دخل مؤثر يدعم الاقتصاد المغربي، في ظل مؤشرات الاحتياج المتنامي للطاقة من قبل دول الجوار الأوروبي، الذي يبدو متعطشاً للحصول على موارد إضافية للطاقة تلبي احتياجاته المتزايدة خلال العقود والسنوات المقبلة.
لقد فتح هذا المشروع الاستراتيجي الضخم بوابات الأمل في بناء مستقبل أفضل للتنمية المستدامة في المملكة المغربية الشقيقة، كونه يدفع التخطيط المستقبلي نحو استثمار أفضل للموارد الطبيعية للمملكة، وفي القلب منها، معطيات المساحة المكانية والموقع الجغرافي الرائع، الذي يتيح مجالاً هائلا للاستثمار وتحويل هذه المعطيات إلى مصادر إنتاج تلبي احتياجات الشعب المغربي في قطاعات التنمية كافة.
ثمة إشارات “سياسية” أخرى لهذا الانجاز الاقتصادي، تتمثل في أن افتتاح هذا المشروع الحيوي يسبق استضافة المملكة الشقيقة للمؤتمر العالمي للمناخ، خلال نهاية العام الجاري، والذي يمكن اعتباره أحد أهم منعطفات التعاطي العالمي مع مشكلة الاحتباس الحراري، التي باتت تقض مضاجع صناع القرار في الدول كافة؛ فمؤتمر المناخ المقبل سيضع مقررات مؤتمر باريس الأخير على طاولة النقاش، ويعمل على متابعة تنفيذ هذه المقررات، التي تمثل بدورها إنجازاً تاريخياً سواء على صعيد التصدي لهذه الظاهرة المناخية بالغة الخطورة، أو على صعيد التعاون والتفاهم بين دول العالم، ولاسيما الدول الصناعية الكبرى منها.
وفي تصوري، ان المملكة المغربية وضعت نفسها كذلك في موقع قيادة قاطرة الطاقة النظيفة في القارة الافريقية، حيث يمكنها الاستفادة من الموارد الجغرافية الهائلة في هذه القارة ومساعدة شعوبها في التنمية والاسهام في المسيرة الحضارية والانسانية، عبر تقديم الخبرات المعرفية اللازمة للتنمية وسد حاجة هذه الدول من الطاقة الكهربائية النظيفة والمتجددة، سواء عبر الدعم المعرفي والتقني أو التخطيط اللازم لبناء شبكات اقليمية مترابطة لانتاج الطاقة النظيفة وتصديرها إلى الخارج.
إن مشروع محطات “نور ـ ورزازات” يمثل خطورة مغربية رائدة تضع المغرب ضمن الدول المتقدمة التي تضع التخطيط الأيكولوجي في اعتبارها، وفتح مجالات واعدة للاستثمار المشترك، ويوفر أفقاً واعداً للأجيال المقبلة، وبما لا ينال سلباً من نصيبها وحصصها البيئية، التي باتت عامل حسم مؤثر في توجيه بوصلة المستقبل.
تحية تقدير للقيادة المغربية على الوعي التخطيطي والاستراتيجي ومقدرتها على استيعاب مفردات العصر ومتغيراته وامتلاك نظرة استشرافية مستقبلية فاحصة، وأفق واعد يضع الشعب في صدارة الاهتمامات، وهنئيا للشعب المغربي الشقيق بهذا المشروع العملاق.
بقلم سالم الكتبي