|
|
كلنا يد واحد |
|
|
الرباط - يتّفق الخبراء على أن ملامح تسوية الصراعات، في العالم، تغيّرت وباتت أطرها ووسائلها تختلف عما كانت عليه في السابق، وبالتالي بات لزاما على الأطراف والجهات المعنية أن تبحث عن سبل جديدة لإيجاد حل يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي والوضع الداخلي.
ويبدو أن المغرب قرّر أن يطبّق هذه الاستراتيجية في ملف الصحراء، الذي بلغ من العمر أكثر من أربعة عقود، وما زال دون حلّ، بما أثّر على التنمية في تلك المناطق وأثّر أيضا على المملكة المغربية ككل.
وفي ظلّ تعنّت جبهة البوليساريو ورفضها لمبدأ الحكم الذاتي، بالإضافة إلى القرارات الدولية التي لم ترس على حلّ يلزم كلّ الأطراف، وظلّت تتأرجح وفق مصالح أطراف إقليمية ودولية معنية بالملف، قرّر الملك محمد السادس أن يطوّر أساليب الدفاع عن قضيّة المغرب الرئيسية وفي نفس الوقت يضمن لسكان الأقاليم الجنوبية حقوقهم التنموية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأيضا حقهم في العمل على استغلال ثروات منطقتهم بما يفيد صالح بلادهم والمشاركة في رفد اقتصادها.
وأكد مولاي امحمد الخليفة، الوزير المغربي الأسبق، في تصريحات لـ”العرب”، على أن المغرب قدّم ولا يزال يقدّم أقصى ما يمكن تقديمه، من أجل تسوية النزاع المفتعل في هذه القضية، لكن إصرار جبهة البوليساريو على الانفصال يعتبر تحديا للمنتظم الدولي الذي يسعى إلى إيجاد حلّ نهائي للنزاع.
ولأن وحدة المغرب لا تقبل المزايدة ولا التآمر، وحتى تثبت أن هذا القول ليس مجرّد شعارات بدأت السلطات المغربية منذ أكثر من سنتين في تنفيذ مشروع طموح لتنمية الصحراء يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في أقاليمها الجنوبية وربح رهانات التنمية، لأن حلّ القضية يكمن في تحقيق هذه الرهانات.
وتشيد تقارير دولية عديدة بمخطط المغرب الطموح الذي يهدف إلى الرقي بالصحراء إلى مستوى تنمية مشابه لنظيره بباقي أقاليم البلاد، وذلك انطلاقا من اقتناعه بأن التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية ستؤدي إلى حلّ النزاع المفتعل حول هذا الجزء من المملكة.
تفقير مخيمات تندوف يدفع الشباب إلى أحضان الجماعات الإرهابية التي تتوعد بإغراق المنطقة في بحر من الدم
من بين هذه التقارير ما نشره مطلع هذا الأسبوع معهد السياسة الدولية الأميركي (فورين بوليسي ريسورتش إنستيتيوت)، يشيد فيه كاتبه أحمد الشرعي، الناشر وعضو مجلس إدارة العديد من مراكز الدراسات الدولية، بالخطة المغربية التي تتجاوز أزمة الصحراء لتستقرئ أزمة أعمق وأخطر وهي قضية الجماعات الجهادية التي تتغذّى وتكبر من خلال المجنّدين من تلك المناطق.
ونجح المغرب في تجنب العواصف التي اجتاحت المنطقة على مدى الخمسة أعوام الماضية، وما يؤكّد هذا النجاح هو أن المملكة المغربية واجهت تقريبا نفس التحديات التي واجهتها بعض دول شمال أفريقيا من هجمات إرهابية وصعوبات اقتصادية، إلا أنها خرجت منها قوية وسالمة لأنّها تبنت سياسات مختلفة عن جيرانها.
ويشير معد الدراسة أحمد الشرعي إلى أن التنمية الشاملة على جميع الأصعدة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية هي ثمرة لهذه السياسات والرؤية الحكيمة التي وضعت المغرب على سكة إصلاحات اقتصادية واجتماعية وقانونية.
وقد مكنت هذه الاصلاحات من دفع دينامية التقدم والازدهار القريبة من تلبية تطلعات واحتياجات المواطنين في الأقاليم الجنوبية وفي مختلف مناطق البلاد.
|
|
مغربية الصحراء |
|
|
تحرك ميداني
في ترجمة ميدانية لهذا التوجّه، حلّ الملك محمد السادس الأسبوع الماضي ضيفا على مدينة العيون كبرى محافظات الصحراء المغربية، في زيارة هي الثانية في مدة وجيزة، بعد زيارة أولى قام بها في نوفمبر 2015.
وجاءت الزيارة الملكية للمحافظات الصحراوية، حسب وكالة المغرب العربي للأنباء، لـ”تفعيل النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، والرامي إلى ضمان اندماج نهائي لهذه الأقاليم في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وصلة وصل بين المغرب وعمقه الأفريقي”.
وتم خلال الزيارتين إقرار عدد من المشاريع التنموية، جعلت، وفق دراسة معهد الدراسات الأميركي، ازدهار الأقاليم الجنوبية للمغرب، ممكنا بفضل الرؤية الطلائعية والتي جعلت من هذا الجزء من المملكة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع الفنادق، والبنيات التحتية المينائية، والتجهيز.
وفي إطار هذه الاستراتيجية التنموية، التي تضع المواطن في قلب الانشغالات، وضع الملك محمد السادس الإطار الملائم لاستثمار أكثر من 10 مليارات دولار لبناء المدارس والمستشفيات ومحطات توليد الكهرباء والطاقة المائية، وغيرها.
في هذا السياق، ذكّرت الدراسة بمشروع انجاز المركب الصناعي المندمج لإنتاج الأسمدة بالجماعة الحضرية المرسى بإقليم العيون.
ويدخل هذا المشروع في إطار تفعيل النموذج الجديد للتنمية بالأقاليم الجنوبية الذي يطمح لأن يحدث الثروة على الصعيد المحلي، من خلال تثمين موارد الفوسفاط بعين المكان وتقوية تنافسية المغرب.
وأشار معهد الدراسات إلى أن مخططا للتنمية السوسيواقتصادية الشاملة قد أطلق بمدينة الداخلة بغلاف مالي إجمالي بمئات الملايين من الدولارات، لافتا إلى أن “هذه الفلسفة الجديدة للتنمية”، التي وضعها الملك محمد السادس، تهدف إلى تحديث المدينة وخلق فرص جديدة بالنسبة إلى المواطنين.
ومن شأن الاستثمارات التي خصصت لتعزيز البنيات التحتية المينائية بالداخلة أن تجعل من جنوب المغرب مركزا لموانئ الواجهة الأطلسية للقارة الأفريقية، من خلال وضع هذه الجهة على الخارطة العالمية لنقط العبور الأساسية نحو القارة.
وقد أبرزت الدراسة أن خبرات هائلة وضعت رهن الإشارة من أجل بلوغ هدف التنمية، مع طموح ربط هذه الأرضية المينائية بأوروبا، خاصة عبر جزر الكناري (لاس بالماس)، وأبعد من ذلك بأميركا الشمالية.
وشددت على أن هذه المشاريع المتعددة تهدف إلى تحسين ظروف عيش السكان الصحراويين، لافتة إلى أن السكان الذين يقبعون في مخيمات تندوف يحدوهم الأمل في أن يتمكنوا من الالتحاق بالوطن الأم يوما ما، والاستفادة من ثمار هذه الدينامية التنموية بالأقاليم الجنوبية.
البرامج التنموية بالأقاليم الجنوبية خطوة أخرى لتأكيد السيادة ودحض الخط المناوئ لوحدة المغرب
مواجهةالإرهاب
أصبح هذا الزخم التنموي، وفق الباحث أحمد الشرعي، ذا قوة إقناع كبيرة وقوة هادئة في مواجهة الموقف الذي يعتنقه انفصاليو البوليساريو الذين يعيشون على وهم اقتطاع النصف الجنوبي من المغرب وإقامة جمهورية “الصحراء الغربية”، وفي جيوب الجبهة الموجودة على الأراضي الجزائرية يتم تسيير الأمور وفق دكتاتورية الحزب الواحد واقتصاد المقايضة.
وأعرب معهد الدراسات الأميركي عن الأسف لكون البوليساريو تقوم باختلاس المساعدات الإنسانية لحسابها الخاص، محذّرا أن تفقير مخيمات تندوف دفع بالشباب إلى أحضان شبكات التجنيد الإرهابية، التي تتوعد بإغراق المنطقة في بحر من الدم والنار، من قبيل تنظيم داعش والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وهذا السياق المضطرب، يمكن أن يوفر للجهاديين بديلا مقنعا عن الحرمان؛ وقد استبق المغرب هذا الخطر وردّ عليه من خلال تحسين مستوى العيش في الأقاليم الجنوبية؛ والدليل على نجاح هذه الخطة أنه قبل ثلاثة عقود، كان دخل الفرد في الجنوب نحو نصف الدخل في الشمال. واليوم، لا يوجد فرق بين شمال البلاد وجنوبها.
العرب
|