كنا نعرف أنهم يتاجرون بالدين، ونعرف أكثر أنهم جعلوه أصلا تجاريا لا تستقيم السياسة ولا تتدفق الأصوات أو تتراص صفوف المريدين، من دون أن يقدموا الآخرين الذين يخالفونهم في الرأي وهم يدعون إلى فصل الدين عن السياسة، على أنهم «كفار ملحدون» يتنكرون لشرع الله وسنة نبيه، لكننا لم نتوقع يوما أن تصل بهم الوقاحة حد الافتراء والكذب، دفاعا عن مكاسب سياسية فانية فناء الدنيا التي يقولون إنها مجرد معبرهم إلى جنة النعيم.
لست هنا في موقع الدفاع عن إلياس العمري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في مواجهة أولئك الذي وجهوا نيران مدفعيتهم نحوه، فقط بسبب تصريح قال فيها «جئنا لمواجهة الإسلاميين دفاعا عن المسلمين»، لكني أرفض هذا المنطق في التكفير والتحريض عليه، والذي يرفعه تجار الأصولية الدينية سلاحا في وجه كل من يقترب من حظيرة خرافاتهم وأوهامهم التي لو كان لصحيح الدين لسان يتحدث به، لتبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف كما قالت العرب العاربة ذات يوم.
تجرأ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي يوما على الدعوة إلى فتح نقاش حول المساواة في الإرث، فوجد نفسه يتلٍقى وابلا من سباب وشتم المسمى أبو النعيم ومن يدور في فلكة من أصحاب اللحي المصبوغة بحناء الجهالة، ولما دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى فتح النقاش ذاته، تناسى الأصوليون كل خلافاتهم العقائدية وتناقضاتهم السياسية ليجتمعوا حول جلد مؤسسة دستورية لم تجد من يحيمها من العنف اللفظي الديني بعدما دخل رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ووزيره في العدل مصطفى الرميد، في هذه الحرب التي تجعلك تعتقد إن رفاق اليزمي في المجلس الوطني قد دعوا إلى الشرك بالله بمجرد ما أرادوا فتح باب النقاش، فيما يعتقد أنه ليس من الأحكام القطعية بل ومما يجوز وينبغي فيه الاجتهاد المفيد للدين والعباد على حد سواء.
ومن حربهم على القناة الثانية حتى وزير الأورقاف والشؤون الإسلامية والعلماء المنضوون تحت إمارة المؤمنين في المجالس العلمية، ها هم اليوم يتكتلون من جديد في رفع رايات الحرب ودق طبولها أمام أبواب إلياس العماري، فقط لأن الرجل صرح بما يؤمن به منذ أن كان يساريا ومنذ أن جاء إلى حركة لكل الديمقراطيين وبعدها حزب الأصالة والمعاصرة، يمكن أن نختلف مع الرجل في أسلوبه، بل ونتناقش معه في بعض من طروحاته غير المكتملة البناء أو الهشة في عناصر التحليل، لكن أن نحمل الرجل أوزار ما لم يقله وما لم يقصده، فذلك يعني أن أصوليينا التقاة يبيحون لأنفسهم الكذب والافتراء متى بدا لهم ذلك سلاحا للترهيب وإغلاق أي نافذة قد يفتحها الحداثيون في وجه تحديث الفكر الديني، وتحرير الشرع ممن جعلوه تجارة تدر كراسي في البرلمان والحكومة والمجالس العلمية، وتجود بسفريات يجوب معها أصوليونا بمختلف تياراتهم بلدان المعمور، لتدعيم أواصر تلك الولاءات الوفية لكل شيء عابر للقارات غير الوفاء للدولة الوطنية والأمة المغربية.
وماذا قال إلياس العمري حتى يعلن أصوليونا النفير عن بكرة أبيهم؟ سنكررها مرة أخرى على مسامع من ملؤوا آذانهم وأفهامهم بما تشتهيه أهواؤهم لا بما تثبته الحقائق التي يعرفها كل الذين تابعوا أشغال مؤتمر «البام» وتصريحات أمينه العام، لم يقل الرجل أكثر من أننا «جئنا لمواجهة الإسلاميين دفاعا عن الإسلام»، وهذه على كل حال ليست بالفكرة الجديدة على إلياس، الذي لايخفي لا هو ولا حزبه تضايقه من هذا التوظيف الانتهازي للمشترك المغربي في تفريق صفوف المغاربة وتوزيعهم بين خانات المبشرين بالجنة والموعودين بالنار.
لكن المؤلفة قلوبهم على التكفير، قلبوا التصريح رأسا على عقب، وها هو حماد القباج، الناشط السلفي والمنسق الوطني السابق لجمعيات دور القرآن، يقول «أتعجب من بعض المتدينين الذين يبخلون بأصواتهم في مواجهة هذا الحزب العدواني؛ بعد ما سبق لرجله الأول أن قال: «حزبنا جاء لمحاربة أسلمة المجتمع»، مضيفا «يحاول لف حربه على الإسلام بادعاء أنها حرب على الإسلاميين» . وعلى نفس المنوال ها نحن نقرأ للسلفي حسن الكتاني، يقورل في تدوينة له على «فيسبوك»، «إلياس العماري افتخر أمامنا بصلاح أمه وأن أباه كان فقيها صالحا، فعلام يريد أن يكون حربا على دين أبيه و أمه؟»، مضيفا أن العمري «من بلاد الريف التي روت دماء رجالها ترابها حتى لا يحكمها العدو الكافر، وتبقى مسلمة تحكم بشرع الله، فعلام يريد محاربة الدعاة لشرع الله؟».
ولأن المقولة الدارجة المغربية تقول «كبرها تصغار»، و«النهار الأول يموت المش»، هاهم السلفيون يسنقون فيما بينهم هذه الأيام بعدما تناسوا كل خصوماتهم حول تأسيس الحركات الدعوية والمشاركة السياسية، ليصدروا بلاغا مشتركا، أو ينتظموا في وقفة احتجاجية أمام البرلمان. «دفاعا عن الإسلام في وجه هذا الكافر المرتد» !! ومن دون شك يطرب حزب العدالة والتنمية لذلك ويردد مع المقولة الشهيرة «تهمة لا أنكرها وشرف لا أدعيه».
لكن ، وليطمئن حمقى الله هؤلاء، فليس إلياس العمري وحده من يريد أن يواجه الإسلاميين لحماية المسلمين، كل ديمقراطي مشبع بالفكر المدني للدولة وبالقيمة التعايشية والسلمية العالية للفصل بين الدين والسياسية، وكل الذين يريدون خوض النزال الانتخابي بفرص متكافئة في سباق الإجابة عن أسئلة الدنيا وترك الدين لتلك العلاقة الخالصة بين الفرد وخالقه، سيقولون مع إلياس: نعم ، لا بد من مواجهة الإسلاميين لحماية الإسلام ممن أفقدوه ويفقدونه قيمته السامية في بورصة الانتهازية الانتخابية و التطرف العنيف والإرهاب الدموي.
يونس دافقير