حين تقرر استدعاء مصطفى التراب لتولي المسؤولية في أعلى هرم صناعة الفوسفاط المغربي قبل عشر سنوات، كان الأمر أشبه بتكليف سائق بارع مهمة النجاة بحافلة توشك على الوقوع في منحدر خطير. فالرجل الذي أغنى خزينة الدولة بمبلغ كبير أثناء إشرافه على صفقة تفويت الترخيص الثاني للهاتف النقال، تمكن في عشر سنوات من مضاعفة مداخيل الفوسفاط الوطني أربع مرات بالعملة الصعبة. استراتيجيا، قاد التراب البلاد لأن تصبح المتحكم الأول في سوق الأسمدة الفلاحية في الخارطة العالمية، أي القدرة على التأثير المباشر في الأمن الغذائي العالمي.
في أقل من عشر سنوات إذن، تمكن مصطفى التراب من تحويل المكتب الشريف للفوسفاط إلى آلة إنتاجية كبرى. الرجل ذو البروفايل العلمي الثقيل سيحتفل خلال أيام بعشريته الأولى على رأس المؤسسة الراعية والمنتجة للثروة الوطنية الأولى، وهي العشرية الأكثر ازدهارا في تاريخ العملاق الاقتصادي المغربي. فقبل التراب، كان المكتب الشريف للفوسفاط أشبه «ببنك مركزي» يتكفل باستخراج المعدن من بطن الأرض دون قيمة مضافة. القيمة المضافة جاءت من خريج معهد المساشوستس للتكنولوجيا، حين أظهر أنه متعهد المهمات الصعبة بامتياز، القادر على تغيير قطاع بكامله باستراتيجية شاملة للإصلاحات. وكانت البداية برأس المؤسسة، حيث أنهى التراب، بطريقته الأمريكية في الإدارة، عهد تسيير «ولاد …» ليعوضه بحضور وازن للكفاءات.
التعريف العلمي لمصطفى التراب يستلزم وضع الكثير من الخانات، ما يدل على قيمته العلمية الكبيرة. مهندس الفوسفاط المغربي الأول ولد بمدينة فاس في 19 أكتوبر 1955، و حصل على شهادة الماجستر سنة 1982 وعلى دكتوراه الدولة في البحث العملياتي سنة 1990 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) من جامعة كامبردج في الولايات المتحدة، وهو حاصل أيضا على شهادة مهندس من المدرسة الوطنية للطرق والقناطر بباريس في العام 1979.
أربع سنوات بعد ذلك، التحق مصطفى التراب بشركة بيشتيل سيفل آند مينيرلز بسان فرانسيسكو، كاليفورنيا، كمحلل في مجال أنظمة النقل، حيث كلف بوضع دراسات التخطيط الخاصة بمشروع بناء المطار الدولي للدمام بالمملكة العربية السعودية، وكعضو في الفريق المكلف بالدراسات الاقتصادية المتعلقة بمشروع الربط القار عبر مضيق جبل طارق. وقد اشتغل كذلك كأستاذ مساعد وباحث بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من شتنبر 1986 إلى غاية غشت 1989. نال جائزة فريدريك س. هيني سنة 1988 اعتبارا لمساهمته المتميزة في برنامج التدريس بقسم الهندسة الكهربائية والإعلامية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ومن 1990 إلى 1992، عمل أستاذا مساعدا في قسم علوم القرار والنظم الهندسية وقسم الهندسة المدنية والبيئية بمعهد رينسيلير بوليتكنيك بمدينة تروي في ولاية نيويورك .و في سنة 1992، تم تعيين السيد مصطفى التراب مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. و في 1995 عين كاتبا عاما بالأمانة التنفيذية للقمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
النجاح العلمي العالمي للتراب لم يغب عن صناع القرار في المغرب. وابتداء من العام 1992 سيتقلد سلسلة من المناصب ذات التأثير المباشر على الاستراتيجيات الاقتصادية الكبرى للبلاد محليا وإقليميا، حيث عين في السنة نفسها مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. و في 1995 عين كاتبا عاما بالأمانة التنفيذية للقمة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما حاز عضويته في مجموعة التفكير لدى الملك الراحل الحسن الثاني من أبريل 1996 إلى يوليوز 1999. وكان قد عين يوم 9 فبراير 1998 مديرا عاما للوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات قبل أن يكلف بتسيير برنامج الإعلام من أجل التنمية. التراب شغل أيضا منصب رئيس الاختصاصيين في التنظيم بالبنك العالمي بين أبريل 2005 و فبراير 2006.
وبشروعها أول أمس الإثنين كأكبر مصدر للفوسفاط في العالم إنتاج الأسمدة من مصنعها الجديد المدشن من طرف عاهل البلاد، تدين المجموعة، قبل عرق وجهود أبنائها قاطبة، لحنكة مصطفى التراب واختمار تجربته. فالرجل الذي أرسى مبادئ الشفافية والنزاهة والاستحقاق المبني على الكفاءة كأسس جديدة لمؤسسة تقترب من الاحتفال بمئويتها الأولى، لا يسعه إلا السير بها في اتجاه دعم التوازن الاقتصادي للمغرب، من خلال ترسيخ مبادئ الجرأة والفعالية.
سعيد نافع