لم يبق لمنظمة «عدالة» البريطانية، بعدما استنفذت كامل عملياتها العدائية تجاه وحدتنا الترابية وسيادتنا الوطنية، غير أن تقصف أقلامنا نحن صحافيي هذا البلد، فبعد المقال الذي نشرته بشكل مشترك مع صحيفة «آلأندبندنت» في الرابع والعشرين من يناير الماضي، وبعد تقريرها إلي البرلمان الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والذي تؤكد فيه أنه «من الضروري أن تشمل بعثة المينورسو آلية لمراقبة حقوق الإنسان»، خرجت علينا هذه المنظمة الموالية للوبي الإنفصالي المدعوم بأموال الجزائر في لندن بتقرير جديد تقول فيه إن «وسائل الإعلام المغربية تساهم بشكل كبير في تنامي ثقافة التحريض على الكراهية ضد الصحراويين”, وها نحن نكتشف في التقرير كأي غرباء عن مهنتنا» أن “القارئ المغربي يتلقى عددا كبيرا من خطابات الحقد والكراهية في الصحافة اليومية المغربية” ومن باب النصح المسموم فهي تدعونا إلى ضرورة أن يتم سن قانون يجرم «خطابات الحقد والكراهية التي يتم رصدها في الصحافة المغربية المكتوبة».
والظاهر أن المنظمة غير الحكومية البريطانية قد كتبت تقريرها عن جهل تام بواقع الحال في المغرب وبتعاطي صحافته مع قضية الصحراء، وغالب الظن أنها تلقت تقريرا جاهزا وضعت توقيعها عليه في سياق الحملة الممنهجة التي تخوضها الجزائر ضد الوحدة الترابية للمغرب هذه الأيام بدءا من توجيه أشغال قمة الإتحاد الإفريقي الأسبوع الماضي بأديس أبابا نحو إدانة كل ما هو مغربي في صحرائه، وانتهاءا بتمويلها لجولات مكوكية تقود قادة البوليساريو إلي الدول الإسكندنافية لدفعها نحو محاصرة المنتوجات الاقتصادية المغربية وانتزاع اعتراف غير مجدي بالجمهورية الوهية جنوب الجزائر.
ما نعرفه في المغرب نحن الصحفيين أن قضية الصحراء بالنسبة إلينا ليست من الملفات التي نمارس فيها الحياد، ففي الدفاع عن سيادتنا ووحدتنا الترابية نكون مغاربة وطنييين ومن دون شوفينية ضيقة، وما ندركه أكثر وبوعي تام هو أن المواطنين المغاربة في الصحراء هم إخوان لنا في المشترك الوطني، وحتى القابعون قسرا في مخيمات تندوف نعتبرهم محتجزين وليسوا لاجئين مثلما تروج لذلك الآلة الدعائية للمشزروع الإنفصالي، ومن دون شك فإن مشكلتنا بالضبط هي مع القيادة الإنفصالية التي تنكل بمعارضيها الذين يريدون العودة إلى وطنهم الأم، ومع تجار المأساة الإنسانية في تندوف الذين يسطون على المساعدات الدولية ليمولوا بها سفرياتهم الفاخرة في البلدان الأوروبية.
وأكاد أجزم، أنا القارئ اليومي لصحافة بلدي، أني لم أصادف في الغالب الأعم، في كبريات صحفنا الوطنية، ما يتضمن تحريضا على العنصرية والكراهية ضد إخواننا الصحراويين سواء منهم المتواجدين في إقاليمنا الجنوبية أو المحتجزين في مخيمات تندوف، وحتى في حالة من نسميهم بانفصاليي الداخل، لم ندع يوما فيما نكتبه إلي رميهم في البحر أو دفنهم في كتبان الصحراء فقط لأنهم يدافعون عن المشروع الإنفصالي من داخل ترابنا الوطني، وحتى حين يثيرون القلاقل والشغب في مواعيد محددة تصادف زيارات المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة، أو حين يقترفون أعمال عنف في جامعاتنا يترتب عنها إزهاق الأرواح كما حدث الأسبوع الماضي في مراكش وأكادير، نقوم بتغطية الوقائع وفق ما تمليه علينا قواعد الإخبار المهني دون تحريض لقوات الأمن على قمعهم، أو لباقي الفصائل الطلابية على سحلهم في جامعاتنا التي يمثلون فيها أقلية عددية يسهل طردها نهائيا من الحرم الجامعي.
لكن، حقيقة واحدة مؤكدة نرددها بكل عدالة بعيدة عن لاعدالة المنظمة البريطانية، وهي تقول كما كتب الزميل رضوان الرمضاني بأننا نسمح لهم بأن يقتلونا فقط لأنهم صحراويون، أو كما قال بعض نشطاء الحركة الأمازيغية لا ينبغي تمتيع الطلبة الصحراويين بامتياز أو استثناء فقط لأنهم صحراويون يبتزون بلدهم في سيادته ووحدة ترابه.
إنها في نهاية المطاف دعوات للإنصاف وإعمال القانون، وليست دعوات للحقد والكراهية. وعلى كل حال، فإن الأمر لا يتعلق بخطاب صحفي فقط، بل بتوجه وطني يحظى بإجماع المغاربة ويقول مثلما أكد ذلك الملك محمد السادس، أن لا تساهل مع الإنفصاليين الذين يعتدون على الأشخاص والممتلكات الخاصة والعمومية، وبنفس القدر لا مجاملة لأولئك الذين اعتادوا الاعتياش على الريع ونظـام الإمتيازات مقابل الولاء لوطنهم، ففي هذا الميزان يتساوى الإنفصاليون المشاغبون مع الوحدويون الإنتهازيون.
لقد قالها الملك ونحن نرددها معه بوطنية صادقة : «بنفس الصرامة والحزم، سيواجه المغرب كل المحاولات، التي تستهدف التشكيك، في الوضع القانوني للصحراء المغربية، أو في ممارسة سلطاته كاملة على أرضه، في أقاليمه الجنوبية، كما في الشمال». وسواء أحبت منظمة «عدالة» البريطانية ذلك أم كرهته فإن دفاعنا ، نحن الصحفيين المغاربة، عن صحرائنا سيكون بكل ما نملكه من مداد وورق ومساحات واسعة في صحافة الشبكة العنكبوتية، أما دروس «الشاهد اللي ما شافشي حاجة» فلا تلزمنا ولا تعنينا في شيء.
يونس دافقير.