كل المؤشرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تشير إلى أن بوتفليقة ومحيطه سيتركون لنا بلدًا مفلسًا ومنهارًا على كل المستويات بعدما بلغ الاحتقان والتذمر والتراجع درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجزائر بفعل ممارسات وسياسات أفسدت الأخلاق ولوثت المشهد السياسي وحطمت الاقتصاد الوطني وأضعفت مؤسسات الجمهورية وحطمت معنويات الجزائريين الذين انشغلوا بالبحث عن الربح السهل أو الهجرة إلى الخارج هربًا من مستقبل مجهول العواقب!
ما من مجال طالته أيادي الرئيس ومحيطه إلا وأفسده أو إصابته فتنة يصعب تجاوز تداعياتها مثلما حدث مع مشروع تعديل الدستور الذي عمق الفوارق بين الطبقة السياسية وبين جزائريي الداخل والخارج عوض أن يكون توافقيا وجامعًا، ومثلما حدث في الرئاسيات الأخيرة التي كانت سببًا في حراك أساء لشخصيات ومؤسسات وجمعيات رفضت العهدة الرابعة، ومثلما حدث مع كل من تجرأ وعارض الرئيس أو انتقد منظومة الفساد الذي تفشى على كل المستويات!
الانقسامات والتصدعات طالت حزب جبهة التحرير وباقي أحزاب الموالاة وطالت المعارضة التي دفعت ثمن مواقفها وخياراتها وتعرضت لكل أنواع التضييق والتخوين وتعرضت هياكلها للتصدع، وتعرض رجالها للإقصاء بسبب سياسة الرئيس ومحيطة في إثارة الفتن في أوساط كل من يبدي وعيا ومعارضة للتحايل الذي يتعرض له الشعب!
محيط الرئيس كان وراء إذكاء نار الفتنة بين جنرالات سابقين يتراشقون فيما بينهم في مختلف وسائل الإعلام ويفضحون بعضهم بعضًا حول قضايا تاريخية، وكان وراء الجدل العقيم الدائر بين أفراد الأسرة الثورية الذين خرجوا بتصريحات متناقضة تشكك في ثورتنا وتسيء إلى الرجال والنساء الذين كانوا إلى وقت قريب قدوة ومثالا في التضحية والوفاء
هذه المؤشرات تقودنا إلى التخوف أكثر من المستقبل في ظل عجز الرئيس وممارسات شقيقه ورجال المال المحيطين به الذين أدخلوا البلد في أزمة سياسية واقتصادية وأخلاقية بمجرد تراجع أسعار النفط وانخفاض المداخيل فراحوا يزيدون من أسعار كثير من السلع والخدمات ويتراجعون عن كثير من المكاسب، ويتخلون عن كثير من المشاريع التنموية بسبب نقص الموارد المالية!
حتى المؤسسة العسكرية لم تسلم من التكسير في الفترة الأخيرة التي شهدت تحطيم جهاز الاستخبارات والأمن الذي تم في البداية إلحاقه بقيادة الأركان منذ بضعة أشهر ثم إلحاقه برئاسة الجمهورية وتقزيم صلاحياته منذ أيام ليتحول إلى مجرد هيكل يتصرف فيه شقيق الرئيس كما يريد في انتظار إحالة قائده الجديد على التقاعد، وبعده إقالة قائد الأركان وما تبقى من قادة النواحي في مخطط جهنمي رسمت معالمه في فال دوغراس.
التلاعب بالمؤسسة العسكرية ورجالها يتم من طرف الرئيس ومحيطه تحت تغطية قوى أجنبية تخطط لطمس الحقائق وإتلاف ملفات الفساد التي حقق فيها جهاز المخابرات، ومن ثم إضعاف الجزائر والانتقام منها ثم التأثير على سيادة قرارها السياسي والاقتصادي الذي سيكون في المزاد كلما تراجعت أسعار النفط، وكلما اشتدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ستؤدي حتما إلى انفجار اجتماعي يزيد من تعقيد الأمور.
بالريتم الذي تسير عليه الأمور سيترك لنا بوتفليقة ومحيطه بلدًا غارقًا في الرداءة يقوده الرديئون والمنتفعون والفاشلون بعدما تمت إقالة وإقصاء كل الكفاءات على كل المستويات، وبعدما تم تقزيم مؤسسات الجمهورية، وإلهاء الناس بقضايا هامشية تزيد من تفكك الأسرة السياسية والعائلة الثورية والتاريخية، وتؤدي إلى تفكك وإقصاء النخب الفكرية والثقافية، وجمعيات المجتمع المدني والنقابات، والشخصيات الوطنية وتعويضهم بسلطة جديدة وحيدة تتكون من ثلاثة أشخاص يتحكمون في بلد بحجم الجزائر.
سيتركون لنا بلدًا هشًّا سياسيا ومفلسًا اقتصاديا، ومجتمعًا متخلفا فكريا وأخلاقيا يخاف من التغيير ولا يجرؤ على التعبير، ومجتمعا تحكمه مؤسسات ضعيفة تتحكم فيها مافيا المال التي بسطت نفوذها وصارت تتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتتحكم في مصير شعب سيكتشف قريبا بأنه تعرض لخدعة كبيرة!
حفيظ دراجي