انتمي للحركة الأمازيغية من جهة الأب انتماءا فعليا، وأنتمى لمطالبها منذ القديم لأنني – مثل ساحق المغاربة – إبن المغرب الواحد المتعدد، وأنتمي لهذه الترانيم الساكنة في أعماق أطلسنا وسوسنا وريفنا، وأعاني فعلا من عدم قدرتي على الرطن والحديث بلغة أجدادي وأتعلمها قدر الاستطاعة، وأعتبر لسانها لغتي الأولى والرسمية والوطنية بعد العربية أوبعد الدارجة أو قبلهما أو معهما أو بينهما أو في مكان وسط من الانتساب الذي لا يمكن أن يكون سياسيا فقط، بل هو وجودي لا يقبل فصالا ولا جدالا.
لذلك أتعاطف مع مطالب الحركة الأمازيغية في مجملها ، أعتبرها مطالبي وأعتبر الاستجابة كل مرة لواحد منها استجابة لشيء داخلي في قلب وعروق ومسام كل مغربية ومغربي مما لاقبل لنا لا بإنكاره ولا باعتباره غير قائم أو تجاهله والدفع بالتأجيل في الحسم معه المرة بعد الأخرى.
لكن انتمائي – غير السياسي وإنما المغربي – لهاته الحركة وتعاطفي معها لا يمنعني أن أقولها لأصدقائي فيها كل مرة: بعض التصرفات تسيء ولا تصلح. تضر ولا تنفع. تتأخر بنا إلى الوراء عوض أن تتقدم، ومنها تصرف إحراق صور رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران مثلا وهو التصرف الذي تكرر مرتين مؤخرا.
الأولى في أكادير، وقد قلنا إنه انفعال لحظي أدانه الجميع وطالب بعدم تكراره، والثانية في البيضاء الأحد وهاته المرة اتضح أنه تصرف مدروس وعن سبق إصرار وترصد وركوب على موجة تحد غبي للنفس أولا قبل تحدي الآخرين، وإشعال ليس لنار رمزية في صور رئيس الحكومة لاعتبارات عرقية، بل لنار فعلية ستحرقنا جميعا ولن تبقي ولن تذر إذا ما دخلنا فعلا هذا المسار واعتبرناه قابلا للركوب والامتطاء هو الآخر في مغرب أصبحت الهواية الأولى فيه بعد عديد الهوايات هي هواية الركوب على عديد الأشياء مما نراه ونتابعه بالتفاصيل المملة الخانقة هاته الأيام.
لنقلها للأصدقاء و”أجرناعلى مولانا”: ما هو ذنب ابن كيران هاته المرة معهم؟
كان يتحدث عن رفيق له في الحزب في اجتماع داخلي هو جامع المعتصم، واستل من لحظة الحديث العابر الانفعالي جملة “بشحال كيعيش السوسي كاع؟” لكي يوردها دليلا على ثقته في نزاهة المعتصم وبراءته من التهمة التي توبع من أجلها مما حسم فيه القضاء دون غيره.
الأولى بالغضب يومها لو كان هناك شيء يستحق الغضب هو جامع المعتصم أولا، ثم بقية رفاق ابن كيران من المتحدرين من سوس العالمة، ثم طيف عبد الله باها الكبير، ثم كل أمازيغ الحركة الإسلامية، وهم كثر ونعرف منهم العديدين، ثم بقية الأطياف، لكن لو كان هناك حقا مايستحق الغضب.
المشكلة هي أن هاته الجملة بالتحديد لاتعني شيئا، على مقدار الطيش اللغوي والعاطفي الذي تحبل به، والتي لا يجب على رئيس الحكومة – لأنه رئيس حكومة – أن يقولها وإن كنا نقولها جميعا بيننا على سبيل الدعابة لا الإساءة، وعلى سبيل ترديد المبتذل من القول لا الإيمان الفعلي بها، لم يقصد الإساءة والحكاية واضحة ولا تقبل كل هاته المزايدات بها.
سوى أننا في لحظة لا صوت فيها يعلو على صوت المزايدات، والضرب بين خصوم السياسة لم يعد يجد شيئا جديا يتكئ عليه، فأضحى يهرب وبسرعة إلى تافه القول وعابره لكي يجعل من الحبة قبة ولكي يشعل فينا النيران آملا متأملا أن تكون نيرانا قابلة للاشتعال وعدم الانطفاء المرة بعد الأخرى.
معذرة، لكنها معركة غبية، وسلوك متخلف يشبه سلوك الدواعش الذين يحرقون أعلام الدول التي لا يوافقونها الرأي أو صور الفنانين والكتاب الذين يبدعون أشياء لم ترقهم، وهم يعتقدون أنهم بهذا الإحراق وحده حققوا المراد.
لا مراد في المسألة، ونحن فعلا ملزمون، خصوصا في شقنا المتحضر أو المفترض أنه متحضر وقادر على احتضان الاختلافات والنداء بقبولها مثل الشق الأمازيغي أن نعطي المثال، أن نعطي البديل، أن نعطي الدليل أننا لسنا مثل الآخرين.
أقولها للأصدقاء مرة أخرى: لم تحرقوا فقط صور ابن كيران، أحرقتم إيماننا بقبولكم بالآخر، ورحابة صدركم، وجعلتمونا نطرح السؤال مجددا: هل يوجد مكان لاختلاف راق في هذا البلد؟ أم ترانا جميعا “مسقيين” بنفس المغرفة، ونشبه بعضنا البعض والاختلاف قائم فقط في بعض الرتوشات البسيطة؟
تمازيغت المنتمية لتمغربيت التي أعرفها والتي أنتمي إليها أرحب من هذا الضيق بكثير. فقط لو كنتم تعلمون…
المختار الغزيوي