لم يهتموا بها كثيرا في نشراتهم. لم يخصصوا لها تلك الروبرتاجات التي ينجحون في ملئها بكثير من الشجن والتأثر إلى أن ينتزعوا منا دموعنا، لم يكتبوا إسمها على لوحة سوداء مرتجلة بسرعة ويصيحوا “جو سوي ليلى”.
فرنسا لاتحب هؤلاء المنتشين بجنسياتهم الثانية، خصوصا إذا كانوا يعلنون هذا الانتشاء. وليلى العلوي كانت تعيش موزعة بين مراكش التي تهواها وبين بيروت التي عشقتها وبين باريس التي تبنتها، لذلك لم تكن فرنسية بشكل كامل بالنسبة إليهم، ولذلك لم يخصصوا لها إلا النزر اليسير من الحديث، وقليلا حقا من الكلام
هي ليست المرة الأولى التي نرى منهم هذا الأمر، ومباشرة بعد أن وقع ماوقع في شارلي إيبدو وبعد كل ذلك الحماس المفهوم لمقتل فنانين فقط لأنهم مارسوا فنهم، وإن كان فنا صادما بالنسبة للعديدين، وقعت أحداث جسام في تونس ومات في متحف الباردو العشرات على يد إرهابي تجول في الشاطئ مثلما أراد قبل أن يموت
يومها كان الفرنسيون الذين يقولون إنهم يدعمون تونس وتجربة تونس، ويحسون بأنفسهم تونسيين، مشغولين بحدث سياسي صغير لديهم جعلوه أولا في كل النشرات وبعدها تحدثوا لظرف ساعات عن تونس ونسوا الموضوع ككل، لأنه لا يهمهم، لأنه لا يعنيهم، لأنه لم يقع قي فرنسا، وهذا حقهم بطبيعة الحال
هم يعطون الأهمية لقضاياهم هم، لمواطنيهم هم، وهذه مسألة مفهومة، لكنهم هذه المرة، وحين ليلى…نسوا أنها مواطنة منهم، وكتبوا في الأشرطة الإخبارية بسرعة عبارة “الفرانكو- مغربية” لكي يخففوا من وقع علاقتهم بالمصاب، ولكي يبرروا كثيرا من النواقص التي رأيناها وأحسسناها وفهمنا بها عديد الأشياء
وطبعا كان ضروريا أن يرتفع صوت كريستين العلوي والدة ليلى عاليا وغاضبا “أنا مواطنة فرنسية غاضبة” لكي تتدارك خارجيتهم التصرف المخجل والمعيب ببلاغ تعلن فيه عن فتح تحقيق داخلي لمعرفة سبب بقاء ليلى في مصحة بوركينابية يومين دون تدخل طبي فرنسي إلى أن ماتت، ولمعرفة السبب الذي جعل المسؤولين الفرنسيين في واغادوغو لا يزورونهاإلا يوم الإثنين وبعد أن هاتف شقيقها سليمان القنصل الفرنسي في بوركينا شخصيا
بلاغ لن يصلح أي شيء، لأن ماوقع وقع، ولأن ماوقع حدث متزامنا مع نقاش التجريد من الجنسية وأخذ بالفعل أبعادا أخرى اليوم في فرنسا، مفادها أن السيدة الجمهورية مثقلة بهذا الانتماء المزدوج وأنه أصبح يعني لها عبئا كبيرا ليس فقط بالنسبة للإرهابيين، بل ربما اليوم بالنسبة للضحايا، وهذا أخطر ما في الموضوع ككل
في المرات القادمة، ونحن نتمنى أن تكون قليلة أو منعدمة حتى، سنتعامل بالتحفظ ذاته مع ضحايا فرنسا. سنحاول وإن كان الأمر غير إنساني أن نتذكر أنهم ليسوا مواطنين لنا، وأن حزننا عليهم يجب أن يكون بمقدار، وأننا لايجب أن نستسلم لعاطفتنا بذلك الغباء الخرافي الذي يجعلنا نصيح في الساحات “جو سوي كذا” أو “جو سوي كذا”، ولا بالبلادة التي تجعلنا نضع شموعا كثيرة من أجل من يعتبرون أننا لانتقن إضاءة الشموع، بل نحن أصل الإرهاب وسببه الأول، ومهما فعلنا لن يصدقوا أننا ندينه ونحاربه أكثر منهم، وأننا نتضرر منه مثلما يتضررون مئات المرات بل وأكثر
شيء ما كسرته السيدة الجمهورية على رأسها وعلى رأس عدد من يحبونها ويحبون ثقافتها وحضارتها ونبلها مع ليلى العلوي.
أصلا ليلى كانت تحب فرنسا كثيرا، ولم يكن ليدور بخلدها أن السيدة الجمهورية ستتعامل معها هكذا بعد رحيل مؤلم وحزين مثل ذلك الذي حملها عن عالمنا برعب كبير من طرف الإرهابيين، وبتبلد أحاسيس مرعب من طرف الفرنسيين.
لحسن الحظ أن ليلى ليست فرنسية فقط، وأنها مغربية وأن المغرب يتقن تكريم هؤلاء الأبناء والالتفات إليهم، ولايسقط عنهم أبدا هاته الجنسية مهما وقع
لحسن الحظ إن كان هناك حظ حسن في كل هذا الخراب الذي يقع أمامنا…
بقلم: المختار لغزيوي