استمعت بإمعان للمعتقل المفرج عنه حديثا بعد قضاء عقوبته الحبسية، هشام المنصوري، وهو يتحدث محاطا بقيادات الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عما وقع يوم اعتقاله، وعما يعتبره وعمن يعتبرهم سببا لهذا الاعتقال.
فهمت من الحكي المشوق، أن هشام وهو صحافي لم نكن نعرفه في المجال إلا بعد أن تأسست جمعية تدعى جمعية الصحافة الاستقصائية في البلد – ولا اعتراض لدي على الموضوع مثلما لا اعتراض لدي على أي شيء آخر على الإطلاق في هاته الأرض السعيدة – كان في منزل ما رفقة سيدة ما، وكان يرتدي حذاء رياضيا مقفلا بشدة، وكان يضع حزاما محكماعلى سرواله داخل نفس الشقة مع نفس السيدة، وأن الشرطة بمجرد دخولها إلى المنزل قامت بإزالة حذائه الرياضي، ثم بفتح حزامه الحديدي أو الجلدي الله أعلم، ثم تعريته بالكامل، وقامت أيضا بتعرية السيدة التي كانت برفقته داخل الشقة، وقامت بالتقاط صور لهما معا، ما يطرح أسئلة كثيرة حول هاته الشرطة التي ستشغل بالها بتعرية مواطنين من أجل “تلفيق” تهمة لهما لأن أحدهما يشكل خطرا كبيرا وفادحا وعظيما وثوريا على البلاد ككل
تذكرت وأنا أنصت بشفقة كبرى لهشام، قصصا أخرى كثيرة لطالما سمعناها على لسان من يجدون أنفسهم في مثل هاته المواقف. وللصراحة والحق لم أستطع أن أحدد لي موقفا من المسألة، إذ لايمكنك في نوازل مثل هاته إلا أن تقول “الله يحسن العوان” مع عديد الأشياء “حيت خايبة فعلا للمعاودة” خصوصا في مجتمع لا يرحم في هاته الزلات الأخلاقية القاتلة، مايدفع الإنسان إلى تخيل كل شيء وأي شيء وأحيانا اللاشيء من أجل إبعاد التهمة عنه، ولو بشكل مضحك.
تذكرت ذلك المغني “الإسلامي” الذي وجد نفسه “يعلي الصوت” يوما داخل سيارة، مكبلا ومغمى عليه ومحمولا من الدار البيضاء إلى الجديدة من أجل تعريته هو الآخر ووضعه قرب سيدة في منزل مشبوه والتقاط صور له ثم إطلاق سراحه.
تذكرت تلك القيادية التي لم تعد تتحدث كثيرا التي قالت إن صورها رفقة رجل “غير محرم” في مدينة يونانية هي صور مفبركة وخارج السياق، وغير حقيقية وأمور من هذا القبيل.
وتذكرت فيديوهات عديدة لمحبين من جماعات دينية/سياسية يقعون فريسة هواهم وضحية الحب وهو سلطان لا يمكنك أن تغلبه وإن فعلت المستحيل، وحين ينكشف أمرهم يشرعون في البحث عن المخرجات السياسية الممكنة والمستحيلة للمأزق، وتذكرت قبل هذا وبعده تلك الحكاية الطريفة التي تروى عن شاب جامعي ذهب رفقة بائعة هوى أو عاملة جنس أو عاهرة – أسموها مثلما شئتم – إلى شقته أثناء غياب والديه، وبعد نومه استغلت رفيقته خلو المكان وانشغال صديقنا، فحملت معها ما خف وزنه وغلا ثمنه وانسحبت في هدوء تام.
عندما استيقظ صديقنا من نومه، كان مضطرا للتبليغ عما وقع لكي يجد شيئا يقوله للوالدين بعد العودة، فقال في محضر الشرطة، لكي يتفادى الاعتراف أنه ذهب بفتاة ليل إلى البيت ويهرب من تهمة الفساد العلني وإعداد وكر للدعارة وما إليه إنه وأثناء نومه في الشقة فوجئ بحركة خفيفة استيقظ على إثرها فوجد قربه شابة فائقة الجمال و ذات قد ممشوق، وشعر أشقر حريري وعينين خضراوين إسمها شيماء وسنها خمسة وعشرون سنة وتسكن في المكان الفلاني ولديه رقم هاتفها ويمكنه مد الشرطة به، فوجئ بها تتسلل رغما عنه إلى سريره، وتقرأ عليه أدعية السماوي ومحاولات التنويم القسري إلى أن نام، وعندما استيقظ وجدها قد سرقت بعضا من متاع المنزل وهربت.
فماكان من الشرطي بعد انتهاء الحكي إلا أن سأله باسما “من هاد الشي كامل درتو شي حاجة ديال الأرضي قبل ماتدير ليك هي هاد السماوي ولا والو؟ ؟”
سيناريوهات “معارضي” الساعة الرابعة والعشرين تبعث على كثير من التبرم لتهلهل حالها ولتساقط أركانها، واللوم كل اللوم – بالنسبة لي على الأقل – يقع على كتاب السيناريوهات لدينا في التلفزيون وفي المسرح، وفي أفلام السينما، فهم لايبدعون ولا يدفعون العقل المغربي إلى الإبداع حتى في تهيؤاته هاته التي يريد بها الهروب من واقع إلى واقع آخر باختلاق الحكايات والسيناريوهات المفضوحة
وحقيقة ستكون شجاعة أكبر من هؤلاء، وأنا أفترض مع وضعياتهم الثورية أنهم لا يعانون من نقص في مادة الشجاعة والبسالة هاته، لو قال المرء مثلا “نعم، كنت مع سيدة متزوجة أو غير متزوجة، لايهمكم الأمر في منزلي أو في منزلها وأيضا لا يهمكم الأمر، ولم أكن أعرف أن الأمن يراقبني وأنه سينصب لي كمينا وسيوقع بي، وفي البداية وفي النهاية الأمر لايهمكم فهذه حريتي الفردية أنا ومن كانت معي”.
على الأقل، وإن أدى الإنسان الثمن، لأن القانون يمنع، إلا أنه سيحترم المعارض والصحافي الاستقصائي والمنشد الإسلامي والسيدة المناضلة الفاضلة والمحبون الدينيون لبعضهم البعض ذكاء المستمعين والمشاهدين وسيدفعون نحو مقاربة أخرى للموضوع ككل
أما والحكي فيه كل هذا الكم من “الإبداع” غير القابل للتصديق، والتفاصيل المشكوك فيه من البدء حتى المتم، فلايسع المشاهد إلا تغيير القناة والبحث عن فيلم آخر أو مسلسل ثان قادر فعلا على الإقناع.
كعادتنا في عديد الأشياء في هذا البلد، نغير القناة ولانتبرم ولانقول أي شيء..
بقلم: المختار لغزيوي