فجر الإعلامي المصري بقناة الجزيرة أحمد منصور بداية الصيف الماضي قنبلة من العيار الثقيل، بعد أن تسربت أخبار تؤكد زواجه من إحدى مناضلات حزب العدالة والتنمية زواجا عرفيا غير موثق في المحاكم المغربية، وذهب كثيرون إلى التأكيد على أن هذا الزواج تم بحضور الولي وموافقته، وهذا في حد ذاته يعطيه صفة الشرعية، بل أكثر من ذلك هناك أخبار تناسلت تؤكد أن الزواج تم في إطار ما يسمى بزواج المسيار الذي أجمع العديد من العلماء على أنه زواج شرعي، والأكثر من ذلك هناك من صنفه في خانة الزواج العرفي بل زواج المتعة حتى .. لكن كيفما كان الأمر فهذا لا يهمنا في هذه الزاوية التي نحاول فيها تسليط الضوء على صيغ الزواج بين القانوني الحقوقي والديني الفقهي في المغرب.
استطاعت عدة نوازل قضائية كشف النقاب عن وجود زواج المسيار في المغرب الذي غالبا ما يلجأ إليه بعض طلاب الجامعات، وخصوصا الإسلاميين، وأجانب قادمون من ترف الخليج، وربطتهم علاقة بمغربيات، المبرر واحد، التحرر من تبعات الزواج والخوف من السقوط في الدعارة، والأهم من ذلك كله شرعنته دينيا، لكن آخرين يرون في سريته وهدره لحقوق المرأة أكبر دليل على منعه وتحريمه.
أصابع الاتهام تشير إلى العامل الاقتصادي كسبب رئيسي في لجوء شباب الجامعات وآخرين إلى هذا النوع من الزواج، الذي يحرر الزوج من كل التزامات بيت الزوجية من نفقة وسكن، بحيث تسكن الزوجة مع أهلها ويزورها زوجها متى يشاء.
الأحوال المادية هي نفسها الأسباب التي يتخذها كل الأزواج ذريعة للإقدام على هذا النوع من الزواج، وإن كان البعض يقدم على هذا النوع من الزواج بمبررات أخرى، منها، يقول رضوان، مُجاز في الدراسات الإسلامية عاطل عن العمل : "شخصيا أنا متزوج من فتاة كانت تدرس معي في الجامعة، تزوجنا بحضور ولي أمرها وأقمنا وليمة في حدود العائلة لكن لم نوثق الزواج، وأعتقد أن توثيق الزواج ليس شرطا، فالأمور لم تكن تسير هكذا في عهد الرسول (ص)، لكن قد أضطر لتوثيق الزواج لاحقا، فأنا ليس لدي مشكل في هذا الجانب".
فإذا كانت ذريعة الأزواج "الأحوال المادية"، أو "أمور خاصة"، فما الذي يدفع بالزوجات إلى قبول زواج يسلب حقوقهن المعنوية والمادية ولا يضمن منه إلا حق الفراش؟ سؤال حملته "الأيام"إلى إحداهن، "فاطمة"، مجازة في الشريعة، حيث قالت: "المهم بالنسبة إلي أنه زواج شرعي ولا يخالف الأعراف، وأنا الزوجة الثانية لزوجي، وأعتقد أنه من البديهي أن أقدم بعض التنازلات ولو على حساب حقوقي".
زواج المسيار حل لمجموعة من النساء العوانس اللواتي ينتظرن الزواج لسنوات طويلة دون أن يحصل النصيب، فهو زواج يضمن عفتهن ويصونها، فما الذي تبحث عنه المرأة أكثر من العفة والإحسان؟ ويرى العديد من المقبلين على هذا النوع من الزواج أنه بمثابة "الحل الشرعي لعدم السقوط في فخ الزنا"، وإن كان الأمر في الغالب يتم برباط شفهي ليتم التنصل من الالتزامات دون أن تترتب عن ذلك أي تبعات، وهنا تقول فاطمة، ربة بيت تزوجت زواجا عرفيا كما سمته: "تزوجت عرفيا بشاب ملتزم دينيا دون عقد وبرضى والدتي وجدي، لكن بعد سنتين من الزواج حملت، وحينها فقط بدأ زوجي يتنصل من مسؤولياته وحاول إنكار أنه تجمعني به أي صلة، ومازلت إلى اليوم أتنقل بين المحاكم في محاولة لإثبات نسب ابنتي أمام تعنته وتنكره لي بعد سنتين من الجماع".
وتعج محاكم الأسرة في المغرب بعدد من قضايا إثبات النسب، وسط غياب إحصائيات رسمية بخصوص هذه الظاهرة التي بدأت تبرز بشكل قوي، منذ سنة 2000 ، وتشير معطيات غير رسمية إلى أن 70 في المائة من المتزوجات عرفيا فتيات تتراوح أعمارهن ما بين 18 و25 سنة، أميات ومحدودات التعليم، وجامعيات وحتى موظّفات، وسط وعود بإعلان وتوثيق الزواج في الوقت المناسب، أو بعد مرور ظروف معينة، فيقبلن خوفا من شبح العنوسة.
ووضعت مدونة الأسرة، التي جرى اعتمادها سنة 2003، العديد من الشروط التي صار من الصعب معها زواج الرجل بثانية، ومنها ضرورة موافقة كتابية من الزوجة الأولى على زواج زوجها، والقدرة المالية للإنفاق على بيتين، ووجود المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد، كما لا يعترف القانون المغربي بشيء اسمه الزواج العرفي أو السري، إذ يصنفه في خانة الزنا الذي يعاقب عليه القانون.
لا شك في أن زواج المسيار دخيل على العرف المغربي، فقد ظهر في البداية في المملكة العربية السعودية، حيث يعرف إقبالا كبيرا عليه، خصوصا بعد إباحته من طرف الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة ورئيس إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، ثم انتقل بعد ذلك إلى العديد من دول الخليج قبل أن يظهر في مصر ثم المغرب. وهنا سجلت مصادر أمنية مطلعة أن الحملات الأمنية المكثفة التي تقوم بها السلطات ضد شقق وڤيلات معدة للدعارة، وخصوصا المتخصصة في استقبال الخليجيين، جعلت العديد منهم يتخذون خليلات من المغرب ويتزوجون بهن زواج المسيار، فمن جهة تقبل الزوجة لأنها تتمتع بمال الزوج ولأن هدفها مادي محض، ومن جهة ثانية يحمي هو نفسه من حملات السلطات والمتابعة بتهمة الفساد، وحين يرغب في الطلاق يكون له ذلك دون أن يكون للزوجة أي حق من حقوقها لأنها تنازلت عن ذلك مسبقا.
وإن كان رجال الدين يعضون على أن زواج المسيار أو العرفي أو أيا كانت مسمياته، وهو زواج دون عقد، زواج جائز وشرعي، فإن الحقوقيات والمناضلات من النساء يرين فيه سلبا لحقوق المرأة وكرامتها، فزواج المسيار، حسبهن، يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التي تتمثل في تكوين أسرة مستقرة، وبما أن زواج المسيار يتم بالسر في الغالب، فهذا يحمل من المساوئ ما يكفي لمنعه حسبهن، فما قول الشرع والقانون في الأمر؟
عبد الباري الزمزمي رئيس الجمعية المغربية لفقه النوازل لــ "الأيام" : هذه أوجه الفرق بين زواج المتعة الحرام والمسيار الحلال
كشف عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية لفقه النوازل، أن زواج المسيار زواج تام وشرعي لأنه عبارة عن عقد صحيح بين الزوجين وتتوافر فيه أركان العقد الشرعي، من إيجاب وقبول وشهود وولي…إلخ، وهو زواج موثق وبإشهاد كالزواج العادي، إلا أن الفرق، كما كشف الزمزمي، هو أنه في زواج المسيار يشترط الزوج أن تقر الزوجة بأنها لن تطالب بأية حقوق من نفقة وتوفير السكن والإيواء والجماع بشكل دائم، والزوجة في هذا النوع من الزواج تتنازل بمحض إرادتها واختيارها لزوجها عن بعض أو كل حقوقها، بما في ذلك حقها في الصداق والمبيت، ويكون هذا التنازل موثقا وبإشهاد كذلك.
وأكد الخطيب والبرلماني السابق أن هذا الزواج صحيح وجائز لأنه عقد متكامل الأركان والشروط، وإن تنازلت فيه المرأة عن بعض حقوقها فلها ذلك، لأنها مالكة الحق ولها أن تتنازل عنه ولن يؤثر ذلك على العقد، واستدل الزمزمي بالسنة النبوية، قائلا: "ولنا أن نستدل هنا بالسنة النبوية إذ قامت إحدى زوجات الرسول (ص)، وهي سودة بنت زمعة، بالتنازل عن ليلتها للسيدة عائشة رضي الله عنها لما أحست أن النبي(ص) يريد ذلك، وهذا من يسر الشريعة ومرونتها وسعتها لمختلف الأحوال والظروف، فقد تمر المرأة من ظروف صعبة لسبب أو لآخر، فترى من الخير لها أن تقبل بمثل هذا الزواج، فلا نضيق عليها واسعا".
وعلل الزمزمي رأيه بالقول: "أعتقد أن زواج "المسيار" سمي مسيارا لأن الزوج يسير إلى زوجته كلما رغب في ذلك، ولا أعتقد بوجود آثار سيئة للمسيار، وإنما هو على العكس يصون المرأة ويمنعها من الانحراف، وليس في المسيار قصد حرام، وأستهجن تحريمه"، واستطرد قائلا: "جل علماء الدين الكبار أفتوا بجوازه، بما في ذلك مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، لأنه كما قلت زواج شرعي بعقد صحيح يستوفي كل شروط الزواج، فلماذا نحرم ما أحل الله؟ فأساس الزواج في الأصل التراضي، فإذا حصل هذا التراضي بين الطرفين فالزواج شرعي ولا غبار عليه".
وذهب الزمزمي في تحليله حد إجازة زواج المسيار الذي يتم في السر بالقول: "أولا السرية ليست حراما، نعم يستحب في الزواج إشهاره، لكن أين هي هذه السرية مادام هناك حد أدنى اشترطه الشرع وهو الإشهاد؟ إذا كان هناك شاهدان وشهدا بهذا الأمر فقد خرج عن السرية، فضلا عن أن هناك وليا وافق على الزواج، إذن أين هي السرية؟ الزواج السري الباطل هوالذي يختل فيه شرط من شروط الزواج، ومادام زواج المسيار يحوي كل الشروط فهو ليس زواجا باطلا".
وبين رئيس الجمعية المغربية لفقه النوازل أوجه الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة، قائلا: "أما بالنسبة للفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة. فالأخير مرتبط بمدة معينة ويأخذ به الشيعة، وهو زواج باطل ينتهي بانتهاء تلك المدة المعينة المتفق عليها بين الطرفين من غير طلاق، وليس فيه وجوب نفقة ولا سكنى، ولا يشترط فيه الولي ولا الشهود، عكس زواج المسيار الذي لا ينتهي إلا بالطلاق لأنه زواج مبني على عقد صحيح شرعي يجمع الطرفين".
المحامي والحقوقي ميناوي سعيد لـ "الأيام"
أخذ موضوع الزواج السري بالمغرب بعدا سياسيا في ظل وجود من يكفر بثقافة التوثيق القانوني للزواج ولا يعترف بالتصريح القانوني الملزم للطرفين، رغم وجود نص صريح من مدونة الأسرة )(المادة 16) يعتبر وثيقة الزواج القانونية أمرا ضروريا لإثبات رابطة الزوجية، فهل في الترسانة القانونية ما يمنع الزواج العرفي في المغرب؟
الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقلة، برعاية الزوجين ...كما تنص على ذلك مقتضيات المادة 4 من مدونة الأسرة، لكن الزواج العرفي زواج مؤقت بطبيعته، الغاية منه أساسا المتعة الجنسية دون ترتيب أي التزامات قانونية على الزوج خاصة، ففي حالة إمساك الزوج عن الإنفاق مثلا فلا تستطيع الزوجة مقاضاة الزوج ومطالبته بالإنفاق عليها، كذلك في حالة حصول حمل فإن لم يقر به الزوج يصعب على الزوجة إثبات العلاقة الزوجية لتسجيل الإبن بسجلات الحالة المدنية. لذلك فالمشرع المغربي لا يعترف إلا بالزواج القائم على الإيجاب والقبول والمستوفي لكل الشروط القانونية من أهلية وإشهاد وصداق وتوثيق وإشهار...فكل زواج لا يحترم هذه الشروط فهو باطل قانونا. فالطبيعي أن يكون الزواج الدائم والموثق وفق القانون الوضعي العلاقة الإنسانية الطبيعية بين الرجل والمرأة بخلاف ما ذهبت إليه بعض المذاهب الأخرى. فهذه العلاقة الطبيعية تعطي لطرفي العلاقة الزوجية نوعا من الاستقرار النفسي والعاطفي وتضمن لهما كل الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين. "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة"، سورة الروم الآية 21. فهذه هي خاصية الزواج، الدوام والاستقرار.
رغم أنّ قانون الأحوال الشخصية في المغرب لا يعترف بالزواج السريّ أو العرفي، ويدرجه في خانة الزنى والفساد، إلا أن هناك حالات كثيرة لهذا النوع من الزواج داخل الجامعات ووسط السلفيين، حتى إن الأمر تمت إثارته في البرلمان وتفجيره في وجه وزير العدل والحريات، فما الخيط الفاصل بين الشرع والقانون في قضية الزواج العرفي في المغرب؟
الزواج أساسا قائم على التعاقد بين الرجل والمرأة، أي إيجاب وقبول واتفاق على كل الشروط التي تخضع للشريعة الإسلامية، فإن انعقد الزواج في ظل هذه الشروط يعتبر صحيحا من الناحية الشرعية إذا توفر له العقد والإرادة الجدية كما ذهب جل الفقهاء، لكن من الناحية القانونية فهو غير معترف به لأنه لا يتم توثيقه أمام الجهة المختصة ليرتب كل الآثار القانونية. فوثيقة الزواج هي الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثبات الزواج في المغرب. وهناك إشكال خطير يحدث عندما ترغب الزوجة في الطلاق حينما يكون الزواج غير موثق ويخضع لأنواع الزيجات التي تكلمت عليها، فالزواج لا ينتهي إلا بالإلغاء أو الفسخ، فحين يرغب الزوج في الطلاق يلقي يمين الطلاق على زوجته ويعتبر شرعا طلاقا صحيحا إذا لم تملك الزوجة العصمة، لكن إذا رفض الزوج الطلاق فالزوجة تبقى معلقة، بخلاف إذا كان الزواج موثقا فهي لها الإمكانية لطلب التطليق للشقاق أو حسب الحالات الأخرى التي يكون الزوج قد أخل فيها بشرط من شروط عقد الزواج.
هل يسمح القانون في المغرب بتوثيق الزواج بعد أن يكون عرفيا وسريا لمدة معينة؟ وكيف ينظر القانون لهذا النوع من الزواج، وأعني العرفي بل وحتى زواجي المسيار والمتعة؟ وهل يعاقب القانون على هذا النوع من الزواج الخارج عن سلطة التوثيق؟
إن استطاع الزوجان إثبات العلاقة الزوجية عن طريق الشهود أو بعض القرائن المعتبرة قانونا، يمكن لهما توثيق هذا الزواج عن طريق دعوى ثبوت الزوجية وفق الإجراءات المنصوص عليها قانونا، خاصة إذا كان هناك حمل أو أطفال نتاج هذه العلاقة الزوجية.