ماوقع للعدلاويين الجمعة والسبت في بلاد الخلافة العثمانية سابقا، أرض العدالة والتنمية مع كثير من العلمانية حاليا، أمر يسترعي فعلا الانتباه.
تركيا التي كانت تسمح في السابق لأتباع عبد السلام ياسين بتنظيم مؤتمر على أرضها يسمونه “مؤتمر الأستاذ الإمام” أو شيئا من هذا القبيل، يتدارسون فيه بعضا مما كتبه شيخهم الراحل أو قاله، ويعتبرونه – قبل القرآن والسنة أو بعدهما الله أعلم – نبراسهم الذي يهتدون به، ومنهاجهم النبوي الياسيني الذي يؤسسون عليه كل نظريات تغييرهم التي يتصورونها للبلد، هذه “التركيا” قررت هاته السنة أن تمنع تنظيم هذا المؤتمر..
بدأت الأمر أولا بمنع نائب الأمين العام للعدل والإحسان فتح الله أرسلان من دخول أراضي الأناضول والبوسفور والنواحي، وإيقافه في المطار وإبلاغه أنه شخص غير مرغوب فيه “بيرسونا نون غراتا” مثلما يقال هو وإثنان من أتباع ياسين.
ثم امتد الأمر في اليوم الموالي لمداهمة الفندق الذي كان يحتضن النشاط “الإمامي”، وإعلان توقيف هذا المؤتمر لأسباب وصفتها “العدل والإحسان” بنفسها في بيان لما يسمى “علاقاتها الخارجية” بأنها “غامضة جدا”.
الحادثان مهمان للغاية، ولا شك أنهما يكشفان تحولا تركيا مهما في التعامل مع الجماعة وأنصار الجماعة، ومن الصعب على أي متتبع للمشهد السياسي العام محليا وإقليميا ودوليا ألا يربط بين هذا المنع وبين حادث التفجير الإرهابي الذي ضرب تركيا منذ أيام، والذي يمكن اعتباره سابقة، طالما أن أصابع الاتهام فيه وجهت إلى داعشي هذه المرة وليس إلى كردي، وهو ما يعكس تغيرا في المقاربة الداعشية للأمور بسبب تضييق الخناق على الرقة والموصل عسكريا وبسبب تعاون تركيا وإن كان رئيسها يجاهر بكلام غير هذا مع الأنصار وأتباع التيار العالمي، في القضاء على وحش الإرهاب في مناطق التوتر.
هل شرعت تركيا في استيعاب خطورة اللعبة التي تلعبها، وفهمت أن تشجيع الإرهاب وحركات التطرف الديني لايمكنه أن يأتي إلا بما أتى به وأبرز ساحات تركيا السياحية تهتز؟
أم هل استوعبت تركيا أن اللعب بالنار يحرق أصابع اللاعب أولا ثم يمتد إلى البقية؟
أم هل فهمت تركيا أن السماح بتنظيم نشاط مثل هذا على أراضيها لايمكن أبدا أن ينظرإليه بعين النظر في المغرب “البلد المؤثر” في المنطقة مثلما وصفه بيان وزارة الخارجية السويدية الأخير الذي أعلن أن مملكة السويد لم تفكر أبدا في الاعتراف بدولة الوهم التي تمولها الجزائر في تندوف؟
أم ترانا دخلنا مساحات الخطر الأخرى ومسافات الالتباس الأكبر، واكتشفت تركيا أنه يوجد من بين المشاركين في المؤتمر أناسا قد يكونون على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالفكر الداعشي، وأن تخفيهم فيما يصفونه بالنشاط العلمي حول خطاب رجل راحل في المغرب ماهو إلا غطاء لتمرير عديد التوصيات التي قد لا تصلح للعلم فقط، بل قد تكون توجيهات وتنسيقا بين الأتباع هنا وهناك وليس بالضرورة أتباع العدل والإحسان طالما أنه أصبح من الصعب إقامة الفارق الحقيقي بين من يدعو لتطبيق الشريعة بالقتل والسيف وبين من يدعو لتطبيق الشريعة بإثارة القلاقل والفتن والركوب على محن الناس الاجتماعية؟
كيفما كان الجواب، وهو سيأتي ولو بعد حين، تركيا صنعت الحدث داخل أوساط العمل الإسلامي، الجمعة والسبت، وهي تطرد شر طردة “العدل والإحسان” من أراضيها، وتعلن عدم حاجتها لسبب توتر جديد مع بلدان أخرى.
ويبقى السؤال مطروحا بالفعل عن هاته الجماعة التي تجد راحتها في اللجوء الدائم إلى الأجنبي، سواء كان هذا الأجنبي “سيدا قطبا” أسس في ذهن شيخها الراحل أوهام خلافته ومنهاجه ذات زمان، من خلال ظلال قرآنه وبقية الاستيهامات التي أسست للإسلام السياسي خطه الدموي، أو كان الأجنبي مسرحا تركيا ظل لسنوات حديقة خلفية للعب غير واضح ضد المغرب، وحان الوقت اليوم لحذفه من لائحة المخرجات الممكنة للحالمين بقومتهم في المغرب ولو وضعوا لها الأسس على ضفاف البوسفور التركي أو الميسيسيبي الأمريكي أو غيرها من الوديان الموجودة في الخارج ولدى “البراني”، والتي قد يجري تدفق مياهها يوما ضد التيار.
بقلم: المختار لغزيوي.