هي لحظة العودة إلى عديد الأشياء وبداياتها، وهي هنيهة التفكير فيما نفعله بأصواتنا، حين يأتي أوان استعمالها استعمالا عاقلا وعقلانيا، لا استعمال العاطفة الذي يؤدي بصاحبه دوما إلى ما لاتحمد عقباه.
في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وقد اتفقنا جميعا على تسميتها بصوت من لا صوت له، نسمع كثير الانتقاد اليوم لعبد الإله ابن كيران.
هو نفسه سيكون أول المستغربين، هو الذي قال لقناة “ميدي آن تي في ” خلال حواره معها قبل أسابيع “تفصلنا عن انتخابات البرلمان تسعة أشهر أو سنة على أكثر تقدير، ما الذي يمكن أن يقع؟ ولماذا سيغير الناخبون الذين منحوا حزبي ثقتهم رأيهم فينا؟”
حتى أكثر مبتدئي السياسة هواية حركوا الرؤوس يومها، وقالوا “يمكن أن يقع الكثير سي عبد الإله، يمكن أن يقع الكثير”، قبل أن يضيفوا على سبيل التساؤل المستغرب : “كيف يسقط حيوان سياسي ماكر للغاية مثل ابن كيران في فخ مثل هذا؟ وكيف ينسى هو الذي يقولها دائما إنه في المغرب؟”
ولو قدر للتشريعيات أن تجري اليوم اعتمادا على مايقال في الفيسبوك والتويتر ثم المواقع الفطرية التي نبتت في كل مكان، والتي لم تعد تعرف لها صاحبا ولا مالكا ولا مطلقا ولا ممولا، لرسب ابن كيران ولمادخل نائب واحد من العدالة والتنمية إلى القبة.
سوى أن الحقيقة فعلا ليست هكذا، وضجيج الفيسبوك يبقى في الفيسبوك، وفحيح التويتر لأن صوته ليس مسموعا بما فيه الكفاية في المغرب يبقى قرب طائره الأزرق الصغير، والواقع السياسي على الأرض شيء آخر مخالف تماما.
لذلك ينصح للمتحمسين أكثر من اللازم للافتراضي بالعودة فينة بعد الأخرى إلى الحقيقي، وتلمس آخر تطوراته، والحديث مع الناس والسير معهم في الأسواق والمقاهي والجلوس إليهم والإكثار من سؤالهم عما يعتقدونه، ثم العودة بعد ذلك إلى الأنترنيت وعوالم التخيل فيه لصنع كل الثورات الممكنة والمستحيلة
الواقع على الأرض يقول باختزال معيب بعض الشيء إن المصوتين عادة سيمنحون أصواتهم مرة أخرى للعدالة والتنمية، لانضباط تاريخي لهاته الفئة من المصوتين، وأن طبقة المتحدثين اليوم بطوله في الأنترنيت ستمضي اليوم الانتخابي كله وأنفها محشور في الصفحات تبحث عن شتيمة جديدة، عن شعار جديد، عن لافتة افتراضية أخرى، عن تقاسم لتدوينة تقتل بها افتراضيا من تعتبرهم الخصوم، وأن الداخلية بعد الثانية عشرة ليلا ستعلن عن فوز العدالة والتنمية والأحزاب التقليدية الأخرى وكفى الله المؤمنين شر القتال وشر الانتخابات وشر كل شيء..
حداثيو الشعارات لا يصوتون.
مناضلو اليسار التائهون بين باراتهم وبين قراءة غرامشي للمرة الأخيرة قبل التجشؤ المعيب لايصوتون.
بقايا الأحزاب التي كانت تقول عن نفسها إنها تقدمية وديمقراطية وحداثية لا يصوتون إلا إذا كانوا معنيين بالتصويت: أي مرشحين أو لديهم أفراد عائلة يريدون دخول شيء ما بالتصويت.
المثقفون العضويون الذين يحللون المغرب بالليل والنهار وهم عاجزون عن القيام بتحليل لدمهم يعطيهم نسبة العقل فيه لايصوتون.
كل الذين يفترض أنهم سيقفون ضد المشروع الذي يهاجمه الكل على الأنترنيت اليوم لايصوتون.
ثم هناك المتربصون بنا الدوائر، أولئلك الذين لانسمع صوتهم إلا لكي يقولوا لنا إننا ونحن لانصوت نستجيب لدعواتهم وأنهم هم سبب مقاطعتنا لكل شيء، علما أنها ليست الحقيقة، وأننا لانذهب للتصويت عجزا أو استهانة أو لامبالاة أو عدم اقتناع بأصواتنا وقدرتها على تغيير عديد الأمور، أو عدم تصديق لتغير كثير الأشياء أو سجنا في ماض سحيق دفنا أنفسنا فيه وبقينا أسراه إلى مالانهاية
اليوم، وعوض هاته المعركة المضحكة التي تتوسل بالفارغات مثل حكاية السوسي أو بالتطاول الشخصي على الناس لم لايفكر الغاضبون من حكومة ابن كيران في الرد الديمقراطي عليها، وفي معاقبتها مثلما يفعل المتحضرون في صناديق التصويت حين الانتخابات؟
لم نشحذ كل هاته الهمم من أجل السب والشتم والمس بالشخصي فينا جميعا؟ ولا نجد طريقة واحدة ذكية لإعادة الناس إلى صناديق الاقتراع والارتفاع عن العزوف الذي هو سبب كل مشاكلنا بما فيها التصويت على أناس قد لا يكونون مؤهلين بالكامل لتسيير شأننا العام؟
اليوم فعلا المغاربة يهتمون بالشأن السياسي إذا ما لامستهم بعض تفاصيله الصغيرة، من قبيل استفزاز وزيرة بعبارة “جوج فرانك” أو من قبيل نكتة يحكيها رئيس الحكومة عن “السوسي وبشحال كيعيش” وبقية الأمور، تماما مثلما يهتمون به حين يرون مشاهد يعتقدون أنهم انتهوا منها تماما مثل مشهد “تفرشيخ” أو “فرشخة” الأساتذة، لكنهم لايفعلون هذا الاهتمام إلى مشاركة سياسية تعني الشيء الكثير، وتقود بلادهم في الاتجاه الذي يريدون لها السير فيه
تلك هي المشكلة، وهي الطامة الكبرى: أن تمضي يومك بالكامل تسب، وألا تذهب يوم الاقتراع وأن ينجح ذلك الذي شتمته العام بطوله، وأن يتبنى سلبيتك تيار آخر جالس على قارعة الطريق ينتظر يوما يحرق فيه كل الأشياء
واصلوا الفرجة، لن توصلكم إلى أي شيء أيها الشتامون…
بقلم: المختار لغزيوي