كنت حاضرا يوم أمس في وقفة تنسيقية المكفوفين العاطلين، وقد رأيت العجب العجاب.
يموت المكفوف ويصرخ رفاقه وتبكي النساء وفي النهاية لا يموت.
بعد ذلك يسقط مكفوف آخر، بعد اشتباك مع رجال الأمن ودفع وفوضى، وترتفع الشعارات، وينددون بالقمع، وتظنه مصابا للوهلة الأولى، قبل أن تكتشف أنه غير مصاب بالمرة.
كل مرة يقع واحد منهم، فيأتون بالماء ويرشون وجهه، وتأتي سيارة الإسعاف.
إنها مجزرة حقيقية تعرض لها المكفوفون أمس أمام محطة القطار الرباط المدينة، لكنها في الحقيقة ليست مجزرة.
فيلم متقن
شاركت فيه قوات الأمن والعاطلون المكفوفون.
فيلم مثير بجمهور غفير كان يتفرج، وكنتُ أنا أيضا بينهم
تظنه قمعا واعتداء، لكنه مجرد تمثيل.
ويستفز المكفوف رجل الأمن، ويقول له اضربني، وإلا سأموت، بينما رجل الأمن يرفض ذلك، فيسقط المكفوف أرضا، وتتعالى الصيحات.
المكفوف شجاع ولا يهاب القمع، ولا يهاب الموت.
ويريد أن يتأذى، أن يسيل دمه، أن يشهر رجال الأمن هراواتهم، دون جدوى.
مجرد دفعة بسيطة من القوات العمومية فيموت المكفوف مرة أخرى.
وقد ماتوا مرارا، والناس يتفرجون، والفضوليون يقضون وقتا ممتعا.
وتظنها للوهلة أولى إبادة تعرض لها مواطنون مغاربة يعانون من الإعاقة، فتتعاطف معهم، لكنك سرعان ما تكتشف أن كل شيء مصنوع صنعا.
سينما ومؤثرات صوتية وخدع وتوهيم في إخراج جماعي متقن.
وبعد أن مات أكثر من مكفوف، فقد أحدهم صبره أمام برودة دم رجال الأمن، وقام بركلهم.
نهض من موته وركل أجهزة القمع.
قام في ما يشبه معجزة وبدأ يركل ويقمع البوليس المغربي.
وكان هذا حقيقيا وليس فيلما.
فقد تعرض يوم أمس رجال الأمن لقمع ممنهج من طرف النظام النضالي المظاهراتي الوقفاتي في المغرب.
وتحول الضحية إلى جلاد يموت ويحيا ويقع ثم ينهض.
فتأتي سيارة الإسعاف.
وتحمل الضحية، وتستمر الإثارة.
كان المكفوفون يسعون إلى الوصول إلى الباب الخلفي للبرلمان، واقتحام هذه المؤسسة، والقبض على بنكيران، لكن القوات العمومية حالت دون ذلك، ومنعتهم.
فظلوا يموتون بالتناوب.
كل مرة يموت واحد منهم، وهناك من مات أكثر من مرة.
وبينما كانوا الأحياء منهم يواصلون نضالهم واحتجاجهم، ركض ذلك المكفوف الذي كان يركل رجال الأمن، وذهب في اتجاه محطة القطار.
ولم يسأله أحد أين أنت ذاهب.
ولم يعترض طريقه أحد.
ولم يقبضوا عليه.
وهو عائد إلى رفاقه، كانت سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس، قادمة ببطء سلحفاة، فدهسته ومات مرة أخرى.
ولأني كنت أتفرج وأتابع الفيلم بكل تفاصيله، فقد رأيته يدهس السيارة.
نعم المناضل يدهس السيارة، ويشبعها ضربا، ثم يسقط ويموت.
وكما ركل البوليس وكان هو الضحية، فإنه دهس السيارة وسقط، والتحق به الرفاق يخبطون السيارة ويعنفون صاحبها.
وتعالت الصيحات المطالبة بحضور سيارة الإسعاف، ولما حضرت سيارة الإسعاف، رفض الميت أن يحمل في المحفة، وظل ميتا.
جثة هامدة.
وبعد أن اطمأن عليه رفاقه، وتأكدوا أنه ميت في مكان آمن، واصلوا نضالهم، وهو نائم، والبوليس يعرف ذلك، والجمهور يتهامس، وامرأة مسنة تقول لصديقتها: ويلي ويلي على البوحاطي.
وليس المكفوفون وحدهم من يناضلون بهذه الطريقة، بل صار هذا النهج علما قائم الذات، وله رواده، والمتخصصون فيه، والخبراء في تقنيات الموت في الشارع، والسقوط، والبكاء والعويل، واستفزاز الأمن، كي يكون للوقفة صدى ويهتم بها الناس والصحافة.
يتمنون أن يعتدى عليهم، وعندما لا تتحقق أمنيتهم، يغضبون، ويثورون.
كأنهم يقولون لرجل الأمن اقمعنا، واكسر عظامنا، وأسل دمنا، وإن لم تفعل ذلك سنركلك، ونشتمك، ونموت، كما فعل المكفوفون يوم أمس.
لكن من هذا الجبان الذي سيطالب بفتح تحقيق
من هذه الجمعية الحقوقية التي ستدافع عن رجل الأمن المعتدى عليه.
من سيعيد إليه كرامته
بعد أن تعرض للركل من طرف مواطن أعزل.
لا أحدً
لا أحد
فالسلطة عندنا شر مطلق
وظالمة
وقامعة
ونحن
أبرياء
وقد رأيت المكفوفين يموتون
ويغمى عليهم
بينما قوات القمع
تمنعهم من اقتحام البرلمان
وتربت عليه
وتطبطبً
وهم غاضبون
ويسقطون
ويموتون
في مجزرة
وقمع همجي
لم يقع
لكنه وقع
ونقلت أخباره الصحافة
فمن هذا المغفل الذي يمكنه أن يصدق رواية الأمن
ومن عديم الضمير والإنسانية هذا الذي يرفض أن يتعاطف مع عاطلين مكفوفين.
حميد زيد كود/////