كشف مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، الناشط الحقوقي، والقيادي السابق في جبهة "البوليساريو"، في حوار مع "الأيام24"، عن توقعاته بخصوص ملف نزاع الصحراء، خلال السنة الجديدة، على ضوء إعلان المغرب إطلاق خطة تنموية في الأقاليم الجنوبية بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، ومأل المفاوضات المتعثرة بين الأطراف.
ماهي توقعاتكم بشأن مستقبل ملف الصحراء؟
لقد حلت سنة 2016، وجبهة البوليساريو، منتشية بمكسب قرار المحكمة الأوروبية الذي قرر توقيف اتفاقية الزراعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بحجة اشتمالها على منتوجات الأقاليم الجنوبية للمملكة.
و بناء عليه، ستحاول الجبهة أن تجعل من موضوع الثروات أساس لبناء قضية ترمي لنزع سيادة المغرب عن هذه الأقاليم، بعدما فشلت في نفس المسعى باستخدام ورقة توسيع صلاحية بعثة المينورسو ليشمل ملف حقوق الإنسان.وتبعا لذلك، يتوقع أن تستغل الجبهة كل حلفائها وأصدقائها في اليسار الأوروبي من أجل تحويل قرار المحكمة الأوروبية إلى أمر واقع، من خلال رفع دعاوى ضد كل الشركات التي تعمل في الأقاليم الجنوبية للمملكة، مما سيجعل عام 2016 قانوني بامتياز، من خلال سلسلة من الدعاوى والطعون المضادة.أما بخصوص المسار السياسي فلا يتوقع أن يستجد فيه شيء، فالجبهة تعي أن الموقف المغربي تدعمه قوى كبرى بالدفاع عنه كفرنسا، وبعدم دعم قرار ضده كباقي دول مجلس الأمن.لذلك حولت جبهة "البوليساريو"، إستراتيجيتها منذ اتفاق وقف إطلاق النار إلى البحث عن كسب نقاط دبلوماسية من خلال محاولة إحراج المغرب وحشره في زوايا ضيقة، والتمسك بما يسمى "استفتاء تقرير المصير"، رغم معرفتها باستحالته، إﻻ أنه سهل تسويقه لدى المجتمعات التي ﻻ تعي خلفيات النزاع و تعقيداته، باعتباره منسجم مع مبادئ حقوق الإنسان ومطلب مشروع.ثم من خلال التسويق الجيد لوضع الضحية الذي تستغل فيه كل هفات أعوان الإدارة المغربية في الأقاليم الجنوبية، ووضع المأساة الذي يعيشه المحتجزون الصحراويين منذ عقود، في مخيمات تندوف.
في نظركم كيف سيتم لها ذلك؟
ستحاول تحقيق ذلك، عن طريق أصدقائها الأوروبيين الذين يزورون الأقاليم بنية خلق اضطرابات أو نقل تقارير غير منصفة عنه، و قبول كل المبادرات والتقارير على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حينما يتوقع رفض المغرب.
بماذا سوف يواجه المغرب هذا التحول؟
المغرب الذي اتخذ إستراتيجية دفاعية منذ استرجاعه للأقاليم الجنوبية، سيسعى لكسر الطوق الذي تحاول البوليساريو والجزائر فرضه عليه في الساحة الأوروبية شريكه الاقتصادي الأول، من خلال أوراق الضغط التي يمتلكها على مستوى تعاونه الأمني وفي موضوع الهجرة ومساهمته في فض النزاعات و مكافحة الإرهاب.
ومن تم أعتقد أنه إذا لم ينخرط المجتمع المدني والأحزاب السياسية المغربية في حملة للتعريف بمواقف المغرب، وتقديم حجج تضحض حجج خصومه على مستوى المجتمعات الأوروبية قد تواجه الحكومة لوحدها صعوبات خلال السنة الجارية.
فخصوم المغرب يريدون استنزافه حتى تصير تكلفة اﻻحتفاظ بالأقاليم الجنوبية، غير مربحة، و بالتالي فرض عليه الحلول التي يريدون.
وفي المجمل ﻻ يتوقع أن يحصل تغيير على مستوى موازين النزاع، لأن القوى الكبرى حريصة على استقرار المغرب و الجزائر معا، و ﻻ ترغب في ممارسة ضغط قد يخل بهذا اﻻستقرار. و منه قد يكون ما تعتقده "البوليساريو" مكاسب في الوقت الحالي ﻻ يعدو كونه مهدئات لطمأنة الجبهة الداخلية في المخيمات بعد زيارة الملك محمد السادس، و قبلها خطاب اللاءات الخمسة.وما لم تتعافى الجزائر، و يمر انتقال السلطة فيها بسلاسة إلى مرحلة ما بعد بوتفليقة و يستقر نظامها فسيبقى نزاع الصحراء باعتباره عامل توازن بين الجزائر و المغرب.
ماهو تقييمكم لمسار القيادة الحالية لجبهة البوليساريو مع إعادة انتخاب محمد عبد العزيز على رأسها من جديد؟
قيادة البوليساريو الحالية ( الجديدة القديمة) هم أقرب لمجلس إدارة شركة منهم لقيادة سياسية، فالشركة تؤسس على التملك والأسهم، و هو المنطق الذي يبقي قيادة البوليساريو منذ 1973 إلى اليوم. و بسبب هذا الفهم لوجودهم في القيادة ﻻ يتصورون أنفسهم خارج السلطة. فهم يعون قبل غيرهم أن الجزائر هي سيدة القرار، وأنهم يتوفرون على حمايتها ما داموا طوع أمرها، وأن المجتمع الدولي ممثلا في مجلس لأمن غير مستعجل على حل، و لديهم ضمانات باستمرار تدفق الدعم الإنساني على المخيمات التي يديرونها.
ولتحصين مصالحهم و بقائهم كقيادة أبدية فصلوا في المخيمات قوانين على مقاسهم، و ضمنوا أن ﻻ تدعم الجزائر و ﻻ تقبل فوق أراضيها غير تنظيم وحيد البوليساريو التي يقودونها.
ماهو تقييمك للخطة التنمية التي أعلنها المغرب في الأقاليم الجنوبية بمناسبةالذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء؟
المخطط التنموي الذي أطلقه المغرب في الصحراء، هو مشروع طموح و خلاق إذا ما تمت متابعته من طرف الملك شخصيا، فكما تعرف فقد شهد المغرب تحوﻻ كبيرا بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، و جاءت إدارة جديدة شابة على مستوى المركز، لكن بقيت الأطراف تديرها نفس أدوات قديمة لم تالف المحاسبة، مما قد يعرقل جهود التنمية في الأقاليم أو يؤخرها أو يخرجها عن مقاصدها.
فمشروعية تنمية الأقاليم الجنوبية في شقه الاقتصادي يرمي إلى التخفيف من البطالة من خلال خلق 120000 منصب شغل و خلق بنية تحتية تجعل من المنطقة قطب اقتصادي يلبي حاجات ساكنيها و جاذب للاستثمارات. و سيحقق اندماج الأقاليم مع باقي النسيج اﻻقتصادي المغربي و يربطها بمحيطها الإقليمي.
وفي شقه السياسي يرد على كل ادعاءات خصوم المغرب بشأن استفادة سكان الأقاليم الجنوبية للمملكة من ثرواته، و يؤكد صدق نية المغرب في مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه كحل نهائي لقضية الصحراء.
ما رأيك في المساعدات التي تقدمها أمريكا للمغرب من أجل التنمية في الصحراء؟
المساعدات هي دعم دون فائدة و ﻻ ترتبط في الغالب بشروط، و قد سبق أن صرحت اﻻدارة الأمريكية الحالية في بيان مشترك بين زعيمي البلدين أنها تدعم جهود المغرب بما يحقق رفاه سكان الصحراء، ولم يكن الموقف الأمريكي من قضية الصحراء ببعيد من الموقف المغربي في أغلب الأحيان.
ماهي ملاحظاتك السياسية بشكل عام على مسار هذا الملف؟أعتبر أن قضية الصحراء هي قضية سياسية بامتياز، و ينبغي أن يحظى شقها السياسي باﻻهتمام الكافي من قبل الفاعلين المحليين و الدوليين، فهو ضامن حل كل المشكلات المرتبطة بالنزاع.أما اﻻنشغال بقضايا النزاع الهامشية، فقد أمضينا سنوات في صراع حقوق الإنسان واﻵن ندخل في صراع الثروات و سيأخذ سنوات آخرى تزيد من معاناة الصحراويين.
من جهة أخرى، نرى ضعفا للتعريف بالطرح المغربي، و قصور كبير في تسويق ما حققه على الأرض، لدرجة أن العالم لم يصدق من صور الصحراء غير صور الصدامات مع الأمن، أما يخص الفاعل الصحراوي في المخيمات، أرجو أن يتقي الله في النساء و الأطفال والشيوخ و البسطاء الصحراويين، و يسعى في ما يعيدهم إلى أرضهم ليستأنفوا حياتهم الطبيعية، فلا يعقل أن يبقوا أسرى لأجندات سياسية من غير المنظور انتهائها. و ﻻ يعقل أن ترهن عودتهم بالحل النهائي.
محمد منافع