تميز الموقف المغربي من التوتر الذي حصل بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية بسبب إعدام الشيخ نمر باقر النمر عن باقي المواقف. فبما أن الموضوع اتخذ عناوين دينية ومذهبية وتم اعتبار الإعدام شرعيا (بمعنى فقهي) فقد كان موقف المغرب متعاليا على الصراع السياسي الذي اتخذ بعدا دينيا، لأن المغرب في المسألة الدينية يبقى فوق إثارة النعرات المذهبية ويناهضها لأنه بالنتيجة بلد يعتبر الدولتين مسلمتين كما يعتبر رائدا في الحوار بين المذاهب وبين الديانات أيضا. في الشأن الديني لا يمكن المزايدة على المغرب، الذي اندمجت فيه المدارس الإسلامية حتى أعطت ما نحن عليه اليوم، وأول تلميذ أدخل المالكية، كمدرسة فقهية إلى المغرب، درس عند إمام دار الهجرة وأول من كتب مدونة فقهية حديثية حوالي عشر سنوات، انتقل بعدها إلى بغداد ودرس عند الإمام الشافعي سبع سنوات، بما يعني أنه راكم تجارب مختلفة. وبعد أن استوى عود المدرسة الفقهية المالكية جاء المولى إدريس، وهو أحد قادة المعارضة الطالبية (آل البيت) ضد بطش العباسيين، وأضاف لحمة جديدة لفقه المغاربة وأصول الاجتهاد لديهم وتمكن من توحيد المغاربة وصهرهم في بوتقة واحدة شعارها لحمة الوطن بغض النظر عن توجهاتهم العرقية واللغوية والمذهبية. هذا الانصهار هو الذي جعل المدرسة المغربية الدينية تلتقي عند ثلاث روافد، المالكية فقها والأشعرية كلاما (من علم الكلام) والجنيدية تصوفا، في نسيج أنتج مدرسة اجتهادية وسطية قادرة على أن تكون جامعة بعد اختلاف المسلمين. انفتاح المدرسة المغربية في الاجتهاد الديني، وانتماء أمير المؤمنين لأسرة البيت النبوي، يجعل من المغرب مرجعية تتناغم فيها المذاهب والمدارس الفقهية، ويجد فيها كل واحد ما يبحث عنه، كما أنها مدرسة ترفض التعصب وتستفيد من جميع الروافد المذهبية والفقهية والفكرية ومن جميع الديانات، وهو رمز للعيش المشترك الذي أصبح حاجة إنسانية قبل أن يكون حاجة دينية نظرا لتكاثر الصراعات والنزاعات والاحتماء بالهويات القاتلة كما عبر عن ذلك الكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف. فالمغرب بلد إمارة المؤمنين لن يكون إلا ضد أي استغلال للدين في الصراعات بالمنطقة، التي تبقى صراعات غير دينية لكن يتم توظيفه بشكل يسيء إلى الجميع وليس إلى مذهب دون الآخر. كي لا نكون مجحفين في حق أبناء الإسلام لابد أن نؤكد أن الصراع اليوم ليس سنيا شيعيا، وليس بين مذاهب ومدارس كلامية وليس صراع تاريخ ولكنه في جزء منه صراع على الجغرافية، ولا صراع مصالح فقط، ولكنه صراع على الفكر والعلم والمنهج في الحياة، لكن للأسف الشديد أن هذا الصراع أخذ الدين رهينة لديه واستغله أبشع استغلال. في سنة من سنوات أواخر القرن الماضي زرنا مدينة قم الإيرانية والتقينا شيخا مسؤولا عن المكتبة المعلوماتية وهو احد آيات الله ولما علم أننا من المغرب، قال مهما كبُرت الخلافات السياسية بين البلدين تصغُر لأن الحاكم في هذه الربوع من سلالة آل البيت الذين نقدسهم. هذه القصة قد تكون بسيطة لكنها كبيرة في جوهرها وعمقها، وتعني أنه لدى المغرب قوة معنوية كبيرة قادرة على جمع كلمة المسلمين.