أعطت المجموعة الدولية ومعها الديمقراطيات الكبرى الدليل على عدم الانسجام وعلى فقدان الشجاعة في إطار المحاربة الإيديولوجية للاستبداد الإسلامي. ومنذ عدة سنوات، وأنا أدعو إلى تجريم الإيديولوجية السلفية ومنع التنظيمات التي تنبع من فكر "الإخوان المسلمين". وينبغي أن يكون هذا الهدف المزدوج مسعى كل ديمقراطي، متشبث بالعلمانية، يتطلع إلى العيش في مجتمع مطمئن يتم فيه استبعاد العنف والإرهاب. هذا الهدف المزدوج سيسمح، من جهة أخرى، بالحفاظ على النظام الجمهوري وضمان توافق الإسلام مع الجمهورية. ولا بد هنا من تسمية الأشياء بمسمياتها إذا كان الإسلام اليوم يطرح مشكلا، من بعض الجوانب، فلأنه لا يتم تمثيله كروحانية، أو عبادة أو ثقافة، بل لأن إيديولوجيتين فوضويتين تخترقانه وتلتهمانه: إيديولوجية السلفيين وإيديولوجية الإخوان المسلمين. بعبارة أخرى إذا كانت أغلبية المسلمين مطمئنة ولا تتطلع إلا للعيش بأمان، فإن التيارات والجمعيات والتنظيمات الظاهرة والفاعلة تقع تحت سيطرة الإيديولوجيتين المذكورتين. كما أن تجريم السلفية وحظر التنظيمات المرتبطة بالإخوان المسلمين تواجههما حجج تتمحور حول ثلاثة أسباب موضوعية. أسباب سياسية أولا هاتان الإيديولوجيتان اللتان نراهما كل يوم، تمثلان خطرا على انسجام وتناغم مجتمع. تُقَسِّمانه وتشطرانه بكل الوسائل بما في ذلك استعمال العنف. وإذا كان من الممكن ملاحظة عمل السلفيين في الحياة اليومية، فإن الأهداف غير المعلنة للإخوان المسلمين تتطلب فكّ شفرتها. وكيفما كان الأمر، فإن هؤلاء وأولئك يريدون إحداث شرخ في الرابط الاجتماعي. ومن أجل الاقتناع بخطورة أعمالهم، يكفي ملاحظة تصرفاتهم وسلوكهم في البلدان التي تسمى "مسلمة". غالبا ما يكونون وراء الفوضى والهلاك حتى ولو كانوا يواجهون أنظمة فاسدة. أسباب إيديولوجية ثانيا هذان التياران السُّنِّيَان (نفس الأمر ينطبق على المتطرفين الشيعة) يمثلان أفكارا استبدادية ـ وإلى حد ما فاشية ـ لا تتماشى مع نص وروح الجسم الديمقراطي الذي يبحثان عن القضاء عليه. ومجرد فحص هادئ ونقدي للنصوص السلفية أو الإخوانية يسمح بإثبات هذه الملاحظة. وأَنْ تحمل الجماعة الإسلامية اسم "حماس" (الإخوان المسلمون) في غزة أو "داعش" (السلفيون) بالرقّة، وأَنْ يكون العدو اسمه إسرائيل، أمريكا أو فرنسا، فإن الهمجية التي يقوم بها "إخوانهم" في الأماكن التي يسيطرون عليها ويتواجدون فيها تكفي لتجسيد الطابع الفاشي والفوضوي لهذه الإيديولوجيات. أسباب قضائية أخيرا هاتان الإيديولوجيتان إجراميتان. تشكّلان، في المكان الذي يكون لهما فيه قوة، خطرا على النظام العام. ومن وجهة هذه الرؤية، يكون من السذاجة ملاحظة الطابع العنيف للسلفية والإخوان المسلمين عبر الاستعراضات الإرهابية فقط. إن العنف مرتبط بهؤلاء وأولئك. عنف إزاء الأقليات الدينية، والروحية، والجنسية، والفلسفية. عنف بالحرف، والسيف، والنص، وأيضا عنف بالإهانة، والنظرة، والسلوك، وأخيرا عنف بالشيطنة، وإقصاء أو رفض "الاختلاف" الحقيقي أو المفترض. إنها أفكار مناهضة للسامية، والمِثلية، تشيد بالعنف والكراهية في نصوصها وخطب أغلب ممثليها. ستجد بعض العقول الطيبة في هذا خطوة مُبَالَغة، وكلاما متطرفا وموقفا غير متسامح. وأنا على استعداد لتقبّل مثل هذه الانتقادات بشرط أن يتم تفسير كيف يمكن مناولة المفاهيم التي تهيكل التيارين المذكورين. هل نعرف على الأقل كيف ينظران إلى مشروع المجتمع الذي ندافع عنه؟ تذكيرات صغيرة بالنسبة لمسألة الديمقراطية ،فإن "الإخوان المسلمين" ظلوا دائما يرفضون هذه القيمة سواء عبر لسان قائدهم حسن البنا أو عبر وجوه الحركة مثل السيد قطب أو المودودي،في باكستان، ويعتقد هؤلاء أن السيادة لله وليس للشعب .ويرى الإسلاميون أن جميع القوانين الأساسية لتسيير شؤون المدينة توجد في النص الإسلامي عبر القرآن والسُّنة .وقد ساهم بعض "التطور" لدى هذه الزاوية في قبول فكرة نوع من الديمقراطية تكون تحت مراقبة الشريعة . لكن الحركة ترى أن سيادة التشريع الإسلامي على مجموع القوانين التي "اخترعها الإنسان" مسألة لا تقبل النقاش . ومن وجهة هذه الرؤية، ينبغي أن نقرأ ونعيد قراءة شعار الحركة الذي يقول "الله هدفنا.النبي قائدنا .القرآن قانوننا . الجهاد طريقنا". أما السلفيون ،فهم أكثر وضوحا . ويتميزون بأنهم أقل نفاقا من "الإخوان المسلمين".في نظرهم، رفض الديمقراطية واضح وبدون دوران . وقد كتب أحد زعمائهم الروحيين المعاصرين ، الأردني أبو محمد المقصدي، خلال سنة 2000، نصا بعنوان "الديمقراطين ديانة " يعتبر فيه الديمقراطية "ديانة أخرى غير دين الله". ويصفها بأنها «ديانة مارقة مُستحدثة، أصحابها إما أنهم قادة مشرِّعُون أو تابعون محبّون". هناك إيديولوجي آخر ، هو الشيخ مقبل اليمني الذي تَكَوَّن في المملكة العربية السعودية ، يؤكد في إحدى خطبه :" الديمقراطية مارقة. ولسنا في حاجة إليها . ماذا تعطينا هذه الديمقراطية ؟ منح الفرصة للشعب ليحكم نفسه بنفسه . بمعنى بدون قرآن ولا سُنَّة. الديمقراطية تصَوِّت لفائدة الإباحية . في بعض البلدان المارقة،تم التصويت على أنه يُسْمَح لرجل أن يتزوج رجلا آخر . الديمقراطية تضع في نفس المقام المؤمن والكافر." لمعرفة رأي "الإخوان المسلمين" في العلمانية ، ، يكفي قراءة حسن البنا أو الاستماع إلى طارق رمضان ،حفيده والممثل الإعلامي لفكره . يؤكد مؤسس الحركة المتطرفة :" الإسلام عقيدة وعبادة ، وطن ومواطنة ، دين ودولة ، روحانية وعمل ، مصحف وسيف ..." نفغس هذه التعليمات يرددها اليوم طارق رمضان الذي يلخص كل هذا في جملة واحدة :" الإسلام شامل جامع". إذن ، ليس هناك فرق بين بين الدنيوي والديني في نظر المتشبعين بهذا الفكر المتطرف الذي يعرف المروجون له كيف يختفون وراء رداء وخطاب الحداثة . نفس الأمر ينطبق على السلفيين . وهناك مثال لتجسيد موقفهم زاء العلمانية من خلال نص كتبه إيديولوجي جزائري هو محمد فركوس ، جاء فيه :" إن العلمانية إيديولوجية معاشة تهدف إلى عزل نفوذ الدين على الحياة " ليضيف :" الدين والسلطة غير قابلان للعزل وذلك منذ أليوم الذي تشكل فيه لأول مرة المجتمع الإسلامي... الإسلام لا يسمح بالإلحاد ولا يعترف بحرية محاربة دين الله وتعاليمه. يرفض أن يسمح مبدأ الحرية بإقصاء التربية الدينية والقيم الأخلاقية ". وإذا كانت السلفية و"الإخوان المسلمون" لا يعترفون بالقيم الكونية الأساسية، فماذا يبقى بالنسبة لباقي المبادئ؟ مثل حقوق المرأة . في هذا الموضوع بالذات ، يعتقد أحد أكبر المرجعيات السلفية ، الشيخ عثيمين ، أحد وجوه الوهابية السعودية ، أن "المرأة المسلمة لا ينبغي لها أن تغادر بيتها إلا بإذن من الزوج أو الولي". ويوضح الأمر أكثر بقوله :" المرأة حرة في بيتها ،وتويكمن عملها في القيام بالأشغال المنزلية "، وفي نفس الوقت يحذر :" على النساء أن يَتَقِين الله وينصرفن عن الدعايات الغربية المثيرة". انطلاقا من هنا ،سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن أتباع "الإخوان المسلمين " لا يأخذون بهذا التوجه . والدليل أن هذا التنظيم أعلن ،سنة 2013 من القاهرة ، أن منح المزيد من الحقوق للمرأة وجعلها متساوية مع الرجل ، من شأنه أن يؤدي إلى "التدمير الكلي للمجتمع ". وللتوضيح أكثر ، ينبغي قراءة "مواعظ" يوسف القرضاوي ، الزعيم الروحي لاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يدافع عن الفكر الإخواني وعن جميع التنظيمات التي تأخذ بإيديولوجية "الإخوان المسلمين" . وقد كتب في كتابه "المباح والمحظور في الإسلام " ،بأن الزوج يمكن له ،إذا وجد نفسه أمام زوجة "متمردة" ، أن " يضربها باليد مع تجنُّب الضرب الشديد وتجنب وجهها . وهذا علاج فعال مع بعض النسوة ، في ظروف خاصة وفي حدود محددة ..." . وأتحدى من يقول لي أية مادة من مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحترمها السلفيون أو "الإخوان المسلمون". لا توجد مادة واحدة . لا وجود لمبدأ أساسي واحد يتطابق مع الأفكار الإسلامية . هنا تكمن الحقيقة الحزينة . لكن السلفيين يقرون علانية ، على الأقل ، برفض الحداثة والقيم الكونية . وورفض المجتمع الذي لا يأخذ بالمبادئ السلفية . في تعليقه على فكرة "التحالف والتخالف"، يشير الشيخ فوزان ، أحد كبار السلفية بأنه "يُحْظَر محاولة التشبّه بالمارقين". والأسوأ أنه يوصي بعدم "إسعاف" المارقين ولا "تأييدهم أو الدفاع عنهم" و"عدم الإشادة بثقافتهم أو حضارتهم ". إلى جانب أنه لا يجب ، في نظرهم(السلفيون) القول أو الكتابة أن الديمقراطية قيمة كبرى . ذلك لأن من شأن هذا إلغاء الإسلام حسب هذه الإيديولوجية . لم نعد اليوم قادرين على التسامح مع هؤلاء "الممثلين" الإسلام بفرنسا ـ الذين لا يصلحون لشيء ـ . وعلى الدولة أن تصعّد من مستوى مطالبها ، لأنه أصبح من الصعب تحمُّل رؤية جمعية مثل الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ، مثلا ، تتلاعب بالسذاجة الجمهورية .ولا بد من تحديد ما ينبغي عمله قبل الشروع في حوار جدّي مع التنظيمات الدينية ، وذلك بالتوقيع على ميثاق يدفع هذه التنظيمات إلى الالتزام بالتنديد بجميع أشكال العنف التي تتم في فرنسا أو في الخارج ،باسم الإسلام ، ورفض جميع القراءات المتطرفة التي تبيح ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، الإرهاب أو كراهية الآخر ، واحترام دقيق لمجموع المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، خاصة تلك التي تتعلق بحرية المعتقد ، وتغيير الدين ،وعدم المس بحرية الرأي والتعبير والإبداع ، في إطار قوانين الجمهورية (الفرنسية) ، ومن جهة أخرى الانخراط التام والكامل في القيم الجمهورية وفي المنظومة الديمقراطية والعلمانية وكذا بحقوق المرأة . ومن شأن عدم احترام هذا "السّْمِيغ" ـ الحد الأدنى ـ الجمهوري أن يؤدي إلى تبرير تجريم الإيديولوجية السلفية وحظر التنظيمات والجمعيات التي تقول بفكر "الإخوان المسلمين" . لقد حان الوقت للتعامل مع المسلمين باعتبارهم بالغين .