تتوقع السلطات الجزائرية الأسوأ على البلاد في العام 2016. وكشفت مصادر جزائرية أن التوقعات الأمنية الرسمية ترجح أن يشهد العام الذي هو على الابواب كثيرا من الهزات والاضطرابات في البلاد.
ووفقا لتقرير أمني صدر حديثا، فإن هزات شعبية محتملة ردّا على إجراءات التقشف الشديد التي تنتهجها الحكومة تتصدر قائمة من العوامل الموضوعية التي تضمنتها التقارير كأسباب رئيسية تثير مخاوف السلطات وبقوة، من احتمال أن تفقد الجزائر مجددا حالة من الاستقرار الاجتماعي الهش، والذي تحافظ عليه قوة القبضة الأمنية والعسكرية قبل أي شيء آخر.
وقال التقرير الأمني الجزائري إن مخاوف الجزائر تتأتى من أسباب داخلية وخارجية أغلبها يتعلق باشتداد التهديد الإرهابي القادم من وراء الحدود الشرقية مع ليبيا ومع شمال مالي.
وقال مصدر أمني إن قطاعات في الجيش والدرك والمخابرات والأمن الجزائرية تعمل بإجراءات الاستنفار الكلّي.
وأشار التقرير حسب ما تسرب من أنباء حوله، إلى زيادة مخاطر اندلاع احتجاجات شعبية في عدة مناطق بسبب التأثير المحتمل لإجراءات التقشف على المزاج العام للمواطنين، حيث رصدت أجهزة الأمن ما أسمتها "حالة قلق عامة في الشارع خوفا من تأثيرات ما يسمى التقشف".
وأضاف المصدر "أن هذه الجزئية هي التي دفعت مدير ديوان الرئاسة أحمد أو يحي للحديث عن تقصير حكومة سلال في شرح قانون المالية لعام 2016".
ويشير قادة كبار في الجيش وأجهزة الأمن الجزائريين، بصراحة إلى هذه المخاوف الأمنية غير المسبوقة المشار إليها في توقعات المخابرات للوضع الأمني في عام 2016، مؤكدين أنها تكاد تتطابق مع سيناريو عام 2011 حيث تنامت المخاوف من تأثر الشارع الجزائري بانتفاضات الربيع العربي والحرب الأهلية في ليبيا.
ويقول مراقبون إن الجزائر اعتمدت كثيرا على وفرة الأموال التي تحصلت عليها من مبيعاتها لقطاع الطاقة خلال السنوات الماضية لـ تشتري السلم الاجتماعية ، وذلك بإعلان زيادات في الأجور وزيادة الدعم لعدد من السلع الاستهلاكية الضرورية في حياة المواطن الجزائري الذي ضعفت مقدرته الشرائية على نحو كبير وهو يرى الأموال العمومية تنهب على نطاق واسع بلا رقيب ولا حسيب.
وضيق انخفاض أسعار النفط على نحو شديد الخناق على الحكومة الجزائرية وقلل من هامش قدرتها على الاستمرار بسياسة انفاق مغرية الأمر الذي دعاها إلى رفع أسعار العديد من المواد الأساسية وتأجيل العديد من مشاريع البنية الأساسية.
وخّلف انهيار أسعار النفط في السوق الدولية خلال الأشهر الأخيرة تراجعا في إيرادات الطاقة بنسبة 40.7 بالمئة، حسب وزارة المالية الجزائرية.
وبلغ العجز التجاري للجزائر 10.825 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من 2015، مقارنة مع فائض 4.29 مليار دولار في الفترة المقارنة قبل عام.
وقال وزير المالية عبدالرحمان بن خالفة منذ أيام، إن احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد ستتراجع إلى 151 مليار دولار بنهاية العام 2015، ثم تصل إلى 121 مليار دولار في ديسمبر/كانون أول 2016 بعد أن كانت 193 مليار دولار نهاية العام 2014.
والخميس، صادق أعضاء مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان) بالأغلبية على قانون الموازنة العامة لعام 2016 وذلك بعد أسبوعين من تزكيته من قبل المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) وسط جدل كبير بعد رفضه من قبل المعارضة.
وينتظر القانون بعد تزكيته من قبل غرفتي البرلمان التوقيع من قبل رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة قبل نهاية سنة 2015 ليدخل حيز التنفيذ مطلع العام 2016.
ويُعد قانون الموازنة العامة لعام 2016 من أكثر القوانين إثارة للجدل في الجزائر، بعد أن تضمن إجراءات للحد من تأثير أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية على اقتصاد البلاد الذي يعتمد بنسبة 97 بالمائة على عائدات المحروقات من العملة الأجنبية، كما تمثل هذه العائدات 60 بالمائة من الموازنة العامة للبلاد.
وتصف أحزاب المعارضة هذه الإجراءات بـ"الخطيرة"، فيما تقول الحكومة إن الزيادات المحتملة على الضرائب والجمارك وأسعار الديزل والكهرباء المدعومة من قبل الدولة، لا تمس صغار المستهلكين وتتضمن فقط إجراءات لامتصاص صدمة تراجع عائدات المحروقات، وفق تصريحات سابقة لوزير المالية عبد الرحمان بن خالفة.
وجاء في ميزانية 2016 زيادة الضرائب والجمارك وأسعار الديزل والكهرباء المدعمة، للمساعدة في تغطية العجز بعد تراجع أسعار النفط الخام.
كما تضمن القانون إجراءات تقول الحكومة إنها لتشجيع الاستثمار الخاص، مثل المادة 66، الأكثر جدلاً في المشروع والمتعلقة، بـ"فتح رأسمال المؤسسات العمومية للخواص، وفقا للقاعدة 34/66"، أي أن 34 بالمائة من رأسمالها سيفتح أمام الاستثمار الخاص.
وكذلك المادة 53 والمتعلقة بالتنازل على العقار السياحي للمستثمرين، إلى جانب المادة 71 الخاصة بتوسيع صلاحيات وزير المالية في تسيير بعض المشاريع مع إمكانية إلغاء بعضها أو تجميدها دون الرجوع إلى البرلمان، أثارت الجدل أيضاً.
ووصفت المعارضة هذه المواد بأنها اعتداء على صلاحيات البرلمان في التشريع، وفتح الباب أمام رجال المال للسيطرة على مؤسسات عامة بسعر رمزي.
وراسلت أحزاب المعارضة رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة تطالبه بمراجعة القانون الذي وصفته بـ"الخطير" غير أن العربي ولد خليفة رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) رد عليها بالتأكيد أن القانون "أعدته حكومة تسير بتوجيهات من رئيس الجمهورية"، في إشارة إلى موافقته على مضمونه.
وأشار التقرير الأمني الذي أعده جهازا أمن الجيش والاستعلامات والأمن في الاسابيع الماضية إلى أن "الأمن الوطني في الجزائر على المستويين الداخلي والخارجي يواجه مخاطر عالية أيضا بسبب التهديد الإرهابي القادم من وراء الحدود مع ثلاث دول هي ليبيا ومالي والنيجر، أما سبب تعاظم التهديد القادم من وراء حدود الدول الثلاث فيتعلق بالوحدة بين جماعتي "المرابطون" و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، ثم القوة المتعاظمة لفرع تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا الذي سيطر في الأسابيع الأخيرة على مناطق جديدة في شرق وغرب ليبيا، وزيادة التنسيق بين "الدولة الإسلامية" في ليبيا وبين جماعة "بوكوحرام" في نيجيريا الموالية أيضا لتنظيم "الدولة الإسلامية".
وقال التقرير إن تهديد الخلايا النائمة لتنظيم "ولاية الجزائر" التابع لتنظيم الدولة الإسلامية يتزايد يوما بعد آخر مؤكدا أن هذه الخلايا تنقسم إلى مجموعتين وهما "الأفراد السريين" أو "الذئاب المنفردة" ومجموعة الخلايا السرية التي رغم أنها ليست كثيرة العدد، إلا أنها تمثل أكبر خطر يهدد الأمن الجزائري بسبب أن عددا كبيرا من عناصر هذه الخلايا مجهولون لدى أجهزة الأمن.
وقالت المصادر إن هذه التوقعات الأمنية المخيفة دفعت قطاعات كبيرة من الجيش والدرك وأمن الجيش للعمل بمخطط أمني خاص تم تطبيقه أثناء حرب إسقاط النظام الليبي عام 2011، وخلال العمليات العسكرية الفرنسية في شمال مالي.
وقال مصدر أمني إن حالة استنفار كاملة أعلنت على مستوى قطاعات في الجيش والدرك والمخابرات والأمن، بقرارات فوقية.
وشملت الإجراءات الاستثنائية التعامل مع أي اقتراب من نقاط المراقبة المتقدمة للجيش في الحدود البرية للجزائر بقاعدة اشتباك تطبق في الحرب، وتشديد الرقابة الجوية على الحدود وزيادة عدد حواجز الأمن على مستوى وطني وتدعميها، وتكثيف عمليات البحث والتحري ضد الخلايا السرية للجماعات الإرهابية، وتشديد الرقابة على المطارات والموانئ.
بلقاسم الشايب الجزائر تايمز