قبل اعتدءات باريس كانت توقعات استطلاعات الرأي الفرنسية تشير إلى أن زعيم حزب الجمهوريين نيكولا ساركوزي سيسحب البساط من تحت أقدام فرانسوا هولاند المثقل بإحباطات التدبير الاقتصادي وترهل باقي اليسار، وجاءت اعتداءات 13 نونبر الماضي لترفع شعبية فرنسوا هولاند بفعل أجواء الوحدة الوطنية وما أعلنه من إجراءات أمنية إلى خمسين في المائة وهي نسبة غير مسبوقة منذ انتخابه سنة 2012. لكن الأيام اللاحقة، وبالضبط الثلاثة أسابيع التي فصلت بين مذبحة داعش في باريس وموعد انتخابات المناطق، قلبت توقعات الفرنسين رأسا على عقب.
في ظل صدمة الإرهاب ومشاعر الخوف والارتياب من الآخر الأجنبي والمسلم خصيصا، وجدت جون ماري لوبين، التي بعثت مبكرا إشارات تقدم انتخابي مفزع، ترتبها النموذجية لنشر خطاب الانغلاق الهوياتي والعزف التقليدي على أوتار العداء للمهاجرين، وفي النتيجة، كانت قلوب الناخبين الفرنسيين مفتوحة لهذا النوع من الخطاب الأيديولوجي، ففي مواجهة الخطر الأيدولوجي عادة ما تلجأ المجتمعات المهزوزة بخوفها إلى البحث عن إجابات إيديولوجية على ما تعتبره تحديا إيديولوجيا يتهددها.
في الدور الأول من انتخابات المقاطعات انهزم الاشتراكيون وانهزم الجمهوريون وحققت الجبهة الوطنية نصرا تاريخيا حسب رئيستها جون ماري لوبين ونصرا بطعم الصدمة حسب صحيفة «لوفيغارو»، وفي انتظار الدور الثاني المزمع تنظيمه الأحد المقبل لازال خطر الزحف اليميني المتطرف على جمهورية «حرية، مساواة، أخوة» محققا ووشيكا، خصوصا في ظل التطاحن السياسي بين رفاق هولاند وأصدقاء ساركوزي الذي أعلن رفضه أي تحالف في الدور الثاني مع الاشتراكيين لقطع الطريق على صعود رهيب لحزب الجبهة الوطنية الذي تقترب زعيمته، كما قالت صحيفة «ليبراسيون» من قصر الإليزيه.
بعد سلسلة إجراءات أمنية تقيد الحريات، لكن الدولة الفرنسية تعتبرها ضرورية لمحاربة الإرهاب، سيكون فوز اليمين المتطرف بمثابة كارثة للديمقراطية الفرنسية، وستكون مأساة بالنسبة للمهاجرين وفتحا لأبواب العنصرية والتمييز العرقي والديني، إنه بالضبط ما سعى إليه الإرهاب الدولي، وما خططت «داعش» للوصول إليه كهدف استراتيجي يجعل وصول اليمين المتطرف إلى السلطة مبررا آخر لتشديد نهجها الإرهابي الذي لايبدو أنه وصل قمة وحشيته.
في خطابه من البيت البيضاوي، وهو من نوعية الخطب الخاصة والاستثنائية بالنسبة للرؤساء الأمريكيين، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن الحرب على تنظيم الدولة ليست حربا على الإسلام، لكن أضاف أيضا، دون أن يجانب الصواب، أنه «لا يمكننا إنكار واقع أن أيديولجية متطرفة انتشرت في بعض المجتمعات المسلمة. هذه مشكلة جدية يتعين على المسلمين التصدي لها دون أية أعذار».µ
لم يتجنى علينا الرجل، فهذه مأساتنا نحن المسلمون، فهذا البعض منا يشوه صورة ديننا، ويهدد مصالح مواطنينا في بلدان المهجر، ويلغم علاقتنا بحلفائنا في المجتمع الإنساني، لقد جرت «داعش» فرنسا اليوم نحو الانحراف وجهة اليمين المتطرف، وقد تدفع بأنصار التطرف العسكري الأمريكي إلى إسقاط الديمقراطيين في واشنطن وتفجير باقي موجهة التطرف الهوياتي في العالم …
إنه لمؤسف ومخيف حقا أن يحقق الإرهاب كل هذه الانتصارات الرجعية على حساب القيم الإنسانية، مع التنبيه إلى أن الأمر لا يتعلق بإحساس بالهزيمة، لكن فقط بحالة يأس في انتظار أن تنكسر توقعاتنا الأكثر سوداوية.
يونس دافقير