تعيش الجزائر اليوم على صفيح ساخن بعد الخروج المدوي لأحد أقوى جنرالات العقود الثلاث الأخيرة، والذي شغل منصب رئيس المدير العام للمخابرات الجزائرية.
الجنرال مدين الشهير باسم توفيق، والذي أحيل على التقاعد في شتنبر الماضي، لم يستسغ إدانة أحد مساعديه الكبار، بعد أن أصدر القضاء الجزائري حكما بالسجن خمس سنوات مع النفاذ على مدير فرع مكافحة الإرهاب بالمخابرات الجزائرية، الجنرال حسان آيت واعرابي، المتهم بإتلاف وثائق ومخالفة التعليمات العسكرية.
الخروج الإعلامي للجنرال محمد مدين، لا تفسير له، سوى أن الحكم ضد مساعده، هو بمثابة إعلان بدء حرب تصفية الحسابات وسط الدائرة الضيقة لأقوى جهاز في البلاد والذي دبر لثلاث عقود أزمات الجزائر، وساهم في اتخاذ القرارات الكبرى، وصناعة القرار الوطني.
معركة كسر العظام التي أطلقها تيار ما في النظام، وسط الدائرة الضيقة لطغمة الحكم بالجزائر، أسقطت أحد رجالات المخابرات، ما يعني أن دائرة الصراع ستتسع وستشهد الأيام المقبلة الكثير من فصول الصراع التي خرجت إلى العلن بقرار من رجل المخابرات القوي، والذي يبدو أنه رفض التضحية بمساعده، خوفا من استدراجه مستقبلا للقضاء، أو التمهيد لمقاضاته بالنظر إلى طريقة إزاحته من منصبه.
ويبدو أن الجزائر مرشحة لمزيد من صراعات الأقطاب على السلطة والتي قد تتخذ شكل تصفية حسابات عبر استغلال سلطة القضاء للتنكيل ببعض الأسماء والرموز من أجل رسم خارطة نفوذ جديدة، بالتوازي مع التحضير لخليفة بوتفليقة الذي أنهكه المرض، وبات غير قادر على قيادة بلاد مشتعلة، سياسيا، اقتصاديا، واجتماعيا، بعد أن دب الصراع في بؤرة العلبة السوداء للسلطة الحاكمة.
ما يعزز هذا الطرح هو غياب حكم قوي من حجم رئيس البلاد، قادر على تجاوز هذه المرحلة، وكبح طموحات رجالات العسكر، ووقف معركة الاستنزاف التي قد تؤثر على الوضع الاقتصادي والسياسي الهش.
أخطر ما يهدد الجزائر هو مناخ الصراع البارد التي تحول اليوم إلى صراع علني، أبان عن جزء من كواليس الصراع بين مراكز النفوذ التي تسعى إلى تمديد حقبة الهيمنة على مستقبل البلاد ورسم خارطة سياسية جديدة
الأيام القادمة قد تعرف مزيدا من التطورات التي لا يمكن لأي كان التنبؤ بمصيرها.
محمد البودالي.