لقد كانت هذه السنة سنة مشهودة في تاريخ الديمقراطية. ذلك أن ملايين الناس شاركوا في الأحداث الدرامية التي شهدها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى، والتي تُتُبِّعت مع ذلك على نطاق أوسع وحظيت باهتمام بالغ. وقد أكد انخراطهم في تلك الأحداث أن الديمقراطية نموذج عالمي تصبو إليه الشعوب قاطبة وهو ليس بغريب على أي ثقافة من ثقافاتها. وقد ذكّرت هذه السنة أيضا بأن الديمقراطية لا تُصدَّر ولا تفرض من خارج؛ بل يجب أن تنشأ عن إرادة الشعب وأن تغذيها قوة المجتمع المدني وفعاليته. وقد وقف العالم على حقيقة القول المأثور إن البلدان لا تصبح مؤهلة للديمقراطية وإنما تصبح مؤهلة بالديمقراطية. وكان الشباب هم من أبرزوا هذه الرسالة في المقام الأول. فقد ناصروا المثل الديمقراطي وهم يواجهون الآن تحدي العمل من أجل تحقيق إمكانات العمليات الانتقالية التي ساعدوا على تحريك عجلتها.
وتؤكد هذه الحقائق نفسها معلمةٌ أخرى من معالم هذه السنة ألا وهي الذكرى السنوية العشرون للتحول الكبير الذي مرت به أوروبا الشرقية. وما زال العديد من بلدان هذه المنطقة في المراحل الأولى من تحولها الديمقراطي. وهي تدرك مقدار الكدّ الذي يتطلبه تحقيق سيادة القانون ودعم الشفافية والمساءلة، وإصلاح النظامين السياسي والاقتصادي. كما أنها تعي الانتكاسات التي يمكن أن تحبط التوقعات، وتدرك التفاني المطلوب لمواصلة السير قدما. إن في تجارب تلك البلدان لعبراً.
والأمم المتحدة مستعدة لدعم تلك الجهود. وهي تبذل في تطوير المؤسسات والممارسات الديمقراطية وتعزيزها في العالم ما لا تبذله أي منظمة أخرى. فالأمم المتحدة تدعم إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشجع المجتمع المدني على المشاركة الشعبية، وتغذي الحوار عندما تنسد آفاق التفاهم بين الأطراف في إثر اقتراع يختلفون فيه. وتسدي وساطتها في الأوضاع السياسية المضطربة منعا لنشوب النزاع، وتدعم إقامة مؤسسات أمنية تتمتع بروح المسؤولية بعد انتهاء النزاع. كما أنها توفد خبراء يساعدون على تعزيز سيادة القانون، وتطوير هياكل التعددية الحزبية، وبناء إدارة عمومية فعالة تخضع للمساءلة، وإقامة مؤسسات أمناء المظالم، وأجهزة مكافحة الفساد وهيئات المساواة بين الجنسين.
وفي هذه الجهود جميعا، لا تسعى الأمم المتحدة إلى تصدير أي نموذج وطني أو إقليمي للديمقراطية أو إلى الترويج له. فهي تعمل انطلاقا من إدراكها أن المثل الديمقراطي متجذر في فلسفات وتقاليد مناطق العالم قاطبة؛ وأن الحوكمة الديمقراطية الفعالة تحسن نوعية حياة الرجال والنساء حيثما وجدوا؛ وأن الديمقراطية ترسي الدعائم التي تكفل دوام السلام والأمن والتنمية.
فلنعمل بمناسبة اليوم الدولي للديمقراطية على مضاعفة جهودنا في دعم الناس كافة، ولا سيما الشباب - وهم القوة التي حركت الأحداث الجسام التي شهدتها هذه السنة - من أجل تحويل الديمقراطية إلى واقع معيش. فهذا اليوم لهم. ولنحيّ فيهم الالتزام بالعمل الموصول في سبيل الديمقراطية.
United Nations Assistance Mission for Iraq