الموقف نفسه يتكرر مع كل حكاية جديدة. هم “الأشباح” أنفسهم ودائما… جُنْد الكتائب الذين لا تقرأ لهم شيئا غير أقوال مشكوك في صحتها منقولة من مواقع مشبوهة يشاطرونها “الأصدقاء” على الفضاء الأزرق. يستأنفون لعب الدور ذاته. يمعنون في التعبير عن مواقفهم التي لا تتغير مهما تغيرت السياقات وتبدل الفاعلون والضحايا. بالأمس، آمنوا وروجوا وما زالوا يفعلون، للمؤامرة العظمى. مؤامرة الغرب الذي يخادع الأغبياء مثلنا حين نصدق حكاية من حكايات القتل الجماعي الغادر، المؤلفة تفاصيلها في مراكز المخابرات الأمريكية والفرنسية والبلجيكية والإسبانية والمغربية.
لم يكد جرح أحداث 13 نونبر ومالي وتونس يندمل حتى ظهر منهم من يركبون على حدث آخر من أجل التعبير عن المواقف نفسها لا لغرض آخر غير غرض التشفي من خلف لوحة مفاتيح الحاسوب. جبهة المقاومة الآن هي الجبهة التركية- الروسية. يريدون لروسيا الخراب وتركيا المجد… يؤيدون أحفاد الإمبراطورية البائدة ضد الإمبراطورية الغاشمة… يجهرون بموت بوتين وبقاء أردوغان… ومن أجل ذلك لا يذخرون جهدا ولو من أضعفه… ولو بالدعوة إلى تشجيع استهلاك واقتناء المنتجات التركية نكاية في روسيا التي بدأت في تطبيق عقوباتها الاقتصادية على تركيا.
تفحصت الموضوع كفاية لأفهم البواعث التي تحمل البعض منا- نحن المغاربة الذين لنا همومنا الأخرى- على أن يضيفوا إلى أوجاعهم وجع أردوغان وهو يخطب ود بوتين ويدعوه إلى طاولة الحوار بعد أن قُضي ما قُضي، وسقطت الطائرة وقضى الطيار وحزنت روسيا على مقتل ابنها الذي اقتيد جثمانه إلى مثواه الأخير في موكب عسكري تبلله نثف الثلج وهي تذوب ببطء على بذل العسكريين. بيد أنني لا أجد جوابا شافيا غير أن الكتائب نفسها تأتمر بالأوامر ذاتها من الأشخاص ذواتهم في كل مرة تدعو الحاجة إلى ذلك… أردوغان منا… هو مسلم ابن مسلم. حزبه منا ونحن منه. عسكره أسقط طائرة روسية لأنها تجرأت على دخول الأجواء التركية، فأبانوا عن عزة نفس وكرامة إسلامية مفقودة… أردوغان استطاع أن يفعل ما لم يقدر على فعله المتبجحون بالإسلام، الحاملون لواء الدفاع عن دينهم ظلما.
جميعنا مطالبون اليوم بأن نعوض الخسارة التركية في حرب أردوغان على جبهة الروس. كلنا ملزمون اليوم بأن نهب جماعات إلى محلات “بيم” ونقتني من السلع التركية ما يكفينا ويزيد كي نتحمل نصيبنا من الخسارة ونحافظ لأردوغان على مداخيله من العملة الصعبة. جميعنا مجبرون على شراء أثاتنا من المحلات المغربية التي تعرض المنتوج التركي وإن ادعت أنه ماليزي أو أندونيسي. يجب علينا كلنا أن نؤمن بأن الجودة التركية هي الأعلى مهما بدا لنا العكس صارخا.
أمر مضحك حقا ومثير للشفقة في الآن نفسه. هؤلاء الغيورون على شرف أردوغان وتركيا لم نسمع منهم- ويا للغرابة- يوما صوتا يرفع نداء التضامن مع أطفال المداشر الجبلية البعيدة حين تتورد وجناتهم وتتورم من شدة البرد وصقيع الشتاء، أو حين تموت نساء المغرب القصي الحوامل وهن على ظهر البغال في الطريق إلى مستوصف بعيد… لا يهم إن كانت تركيا تلعب الأدوار الاستراتيجية المفضوحة في سياسة مد الوجود الإقليمي. لا يهم أن يلجأ أردوغان إلى إخفاء تورطه المكشوف في حكاية داعش حينما تتحول تركيا إلى الممر الآمن للإرهابين المتتلمذين على أيادي ضباط البغدادي في الرقة وبين العراق وسوريا. لا يهم أن تدخل تركيا في الحلف الاقتصادي القائم في المنطقة وتخلط أوراق “التصدير” و”الاستيراد” لكل شيء مع داعش. لا يهم أن يسعى أردوغان إلى ضرب التواجد الروسي في المنطقة حتى يستفرد بالنصيب الأوفر من كعكعة سوريا والعراق والتطلع إلى ما دون الدور الإقليمي التقليدي الذي ظلت تلعبه تركيا. لا يهم أن يكون جزء من تاريخ الهيمنة العثمانية بني على تحقير العرب وإذلالهم. لا يهم أن يرتكب السلاطين الأتراك الإبادة الجماعية في حق الأرمن. لا يهم أن يقطع أتاتورك كل العلاقة مع اللغة العربية – للتذكير فقط: لغة القرآن- وطمس أبجديتها، ولا أن يلج ببلاده إلى عهود “العلمانية الكافرة”…
كل الأشياء تغتفر من أجل عيون أردوغان وهو يوجه صواريخه إلى السوخوي الروسية العائدة من مهمة قتالية ضد داعش المنتعش بالأموال الطائلة على حدوده. بحثوا عن صورة البطل. قالوا إنها حقيقية. نشروها على النت…. أشاروا إلى أنه الطيار الأسطوري الذي أسقط طائرة الروس على الحدود. وصفوه بالبطل. لكنني لا أعرف هل لأنه تركي، أم لأنه مسلم أم لأنه أسقط طائرة روسية فحسب جاءت تقصف إرهابيين اعتقدوا أنهم يعيدون مجدا سالفا؟ تختلط التبريرات وتتعدد في أذهان هؤلاء المتضامنين مع أردوغان عبر لوحات حواسيبهم حتى لا يذكر التاريخ أنهم خانوا عهد الشهامة يوما ولو بالتحالف- شماتة في الأعداء- مع فارس زمانه. تراهم اغتاظوا من صد ابن الـ “كا جي بي” لزعيمهم حين طلب وده أكثر من مرة من تركيا وفي ردهات مؤتمر المناخ الباريسي. الزعيم لا يعتذر. كان بودي أن أتضامن مع أردوغان تلبية لدعوتهم. إلا أنني لا أؤمن- مثلهم- بالوطن الواحد اليوتوبي الممتد من الصحراء إلى المحيط ومن الرقة إلى بورما، ومن مولنبيك إلى غروزني… كما لا أؤمن بالجودة التركية. أفضل عنها الصينية حين يرتفع سعرها. وكان بودي أن أقاطع بوتين وروسيا وسلع روسيا، إلا أنني لا أجد حولي من هذا كله إلا فودكا مستوردة لا أشربها.
عذرا أيها الهائمون في حب السلطان.
سعيد الشطبي