حدثان بطابع وأهمية مختلفة، لكن برمزية مشتركة تعد جواب الحضارة الإنسانية على الهمجية، وعلى الإرهاب الأعمى. ففي باريس، مدينة الأنوار الأبدية يقام مؤتمر المناخ. إنه موعد تاريخي لأننا في نقطة تحول حقيقية.
هناك شبه إجماع لدى العلماء، فإذا لم يتم فعل شيء، فإن جزرا ستختفي خلال السنوات المقبلة، وأراضي شاسعة ستصبح غير صالحة للسكن بالنسبة للإنسان، مما سيؤدي إلى موجات من الهجرة لم يسبق لها مثيل وستكون نحو اتجاهات لا رجعة فيها.
150 من قادة الدول والحكومات، بمن فيهم الملك محمد السادس، يتشاركون هذا الوعي، رغم أن التناقضات تستمر والمصالح تتضارب. وبالمناسبة، فالمغرب يصنف ضمن أفضل الطلاب لأنه عبر عن التزاماته في رسالة النوايا.
مؤتمر المناخ يثير حتما مسائل إنصاف ودعم البلدان النامية لتحقيق تحولها الطاقي، وفي نفس الوقت النجاح في رفع مستوى عيش سكانها.
إنه مشروع متكامل، على مستوى الإنسانية، ذلك الذي يتم التفاوض بشأنه في باريس، مع تلك الإكراهات التي نعرفها، ولكن أيضا القلق الذي خلقه الوعي الجمعي بأن الاختلالات الكونية تهدد البشرية جمعاء. إنه رفض رائع لجميع المتعصبين وغير المتسامحين، ودليل على أن البشرية هي في الأساس واحدة ولا تتجزأ.
وعلى بعد آلاف الكيلومترات، في مراكش، يفتتح المهرجان السينمائي الدولي برئاسة الأمير مولاي رشيد. هذا الموعد هو أولا فرصة استثنائية لمزج الثقافات. سنويا، يشارك عشاق السينما من جميع أنحاء العالم، الشباب المغربي، في اكتشاف الثقافات من جميع القارات. السينما وسيلة قوية جدا وغالبا ما تلتقط القضايا الراهنة. ولذلك، فإن هذا المهرجان هو أيضا فرصة لتبادل وجهات النظر حول الأحداث التي هزت العالم.
هذا الفضاء التواصلي كان، ومنذ إحداثه أول مرة، ليس مجرد حدث سياحي أو سينمائي بحث، ولكنه مكان للتفاعل الثقافي، السبيل الوحيد لمنع اللاتسامح ورفض الآخر، وهي الأمور التي غالبا ما تشكل أرضية الأصولية.
الدفاع عن هذا التراث الفريد والكوني، أي ببساطة الحياة، في باريس، وتعزيز الثقافة الكونية، والمعرفة، والإبداع، في مراكش، مواعيد سمحت بتقديم أفضل الردود على الهمجيين.
وهذا يعني أن هذين الحدثين هما رمزان، ولكن أيضا تعريفات أساسية. فالإنسانية لا يمكنها أن تلخص حربها ضد الهمجية في سلسلة من الحروب. ولا يمكنها أيضا أن تسمح لأنانية الدول والمجموعات، بما في ذلك المالية، أن تعيق السلام والوفاق.
إن عالما ينعم بالسلم هو أولا عالم عادل، حيث يتم أيضا دمج أولئك الذين لا يستطيعون الحصول على الثقافة، والتعليم، والحد الأدنى من الرعاية الاجتماعية.
الإنسانية، وبفضل حضارتها التي ساهم فيها جميع البشر، على مدى آلاف السنين، يمكنها بل ويجب عليها أن ترفع مستوى التحدي، إذ تمتلك الإمكانيات الضرورية ليس فقط للقضاء على الهمجية، ولكن أيضا جميع أشكال العنف. ومن أجل ذلك عليها أن تنخرط في بناء نظام عالمي جديد ونموذج تطور آخر يجعل المشاركة في مركز النشاط البشري.
أحمد الشرعي