تعجز حقيقة كل الكلمات والحروف عن وصف فظاعة وبشاعة ما اقترفته إحدى القنوات الفضائية التونسية المغمورة، من إساءة بليغة لمهنة الإعلام وبصفة أساسية للعلاقات بين الشعبين التونسي والمغربي وللمصلحة الوطنية والأمن القومي التونسي، من خلال ذلك البرنامج الغوغائي الشكل، التخريبي الغاية، "بلاك ليست" للذراع الدعائية السابقة لوزير عدل بن علي البشير التكاري المدعو ناجي الزعيري.
في كل مرة يسترجع الشعب والوطن أنفاسه بعد عملية إرهابية شنيعة ويبدأ في التمحيص والنقد والمراجعة لرسم طريق الخلاص إلا وتصعقنا احد الأحداث بصعقة وحشية جديدة، تعيدنا الى مربع التخبط ومستنقع الفوضى، والثابت في كل مرة ان اللوبيات بل العصابات المرتبطة بالطرابلسة التي لا مصلحة لها في تحقيق الأمن وانجاز الانتقال الديمقراطي وتحقيق اهداف الثورة هي من يدفع في اتجاه الانهيار من اجل ايجاد مناخ افلات رموز الفساد من العقاب ودفع الشعب نحو الندم على "التخلي على حكم المخلوع".
لست في وارد التأكيد ان كل من شاهد هذا العمل من الشعب التونسي والمختصين استهجنه وادانه في العمق وعرف مغزاه لخلق الفوضى والاضطراب وزعزعة الاستقرار العام في البلاد، ولكن أن يتم ذلك عبر إدراج المغرب الشقيق على الخط واتهامه (تأكيدا) بالضلوع في هجمات باردو وسوسة الدمويين فهذا ما زاد في عمق الإدانة والاستنكار خاصة بعد ما أتاه الملك المغربي محمد السادس العام الفارط من دعاية لا تقدر بثمن من خلال تلك الجولات الحميمية الصادقة في كل انحاء وأطراف مدينة تونس وما قدمه من دعم للثورة التونسية واضح.
للمغرب شعبا وحكومة وملكا موقعا مميزا في دعم تونس وحبها، ولذلك لم يصدق احد جملة الأكاذيب والمغالطات وكم التزييف الذي ورد في البرنامج الذي خرق كل اصول مهنة الاعلام، فالبرنامج افتقد للمعايير المهنية وداس على كل الضوابط في الصدد واعتمد "مصدرا" لا مصداقية له ولا دليل على وثوقيته ولم يكلف نفسه اي جهد لتعديد المصادر في قضية خطيرة تستوجب زوايا مختلة في تناولها ومصادر متناقضة في معالجتها وفضلا عن ذلك فقد كانت احد الاوراق المقدمة الممضاة بتاريخ 13 مارس تحوي تناقضا صارخا بذكرها احداثا تمت يومي 14 مارس و15 مارس!!
وما ادعاه المقدم من عمل صحفي "استقصائي" هو في الحقيقة اعتداء مفزع على هذا النوع من الصحافة الذي يتطلب تخصصا اكاديميا والماما بعديد التخصصات مثل علم الجريمة وعلم القانون والرصد والتوثيق وحتى السينما ويتطلب مصادر متنوعة ووثائق من نوع خاص ولها مستوجبات دقيقة، وزيادة فان المسؤول عن العمل الاستقصائي وجب ان تتوفر فيه خصائص وخصال المصداقية والاستقلالية والموضوعية وعلوية الحقيقة وأيضا العدالة، وهو ما لا يتوفر في الحد الادنى في الشخص الذي تطارده الشبهات الذي قدم البرنامج خاصة وانه من اعداء حرية التعبير لما كان ملحقا اعلاميا بوزارة الداخلية ونادى صراحة حينها بمراقبة وحجب مواقع المدونين على شبكات التواصل الاجتماعي.
"الهيكا"، المؤسسة التعديلية للإعلام السمعي البصري، ولئن تأخرت في ايقاف البرنامج الإجرامي على الفور، فهي تداركت من الغد وأعلنت بقرار رئيسها إيقاف الإعادة وحجب التسجيل من مواقع القناة، في انتظار اجتماع مجلس الهيئة لاتخاذ عقوبات اخرى وإحالة ملف المعنيين على القضاء خاصة وان عديد الجرائم ارتكبت في حق الوطن وفي حق بلد شقيق وفي حق عديد الأشخاص.
مع الإشارة ان معلومات ينتظر ان تتأكد في قادم الأسابيع تشير إلى ان اذاعة "موزاييك" اتخذت قرار فصل الزعيري، خاصة وان الامر بدأ يستقر على الشاب المجتهد والمتخلق والذي ما فتىء يعلي التقيد بالمعايير المهنية بوبكر بن عكاشة، في انتظار توضيب بعض الأمور الاجرائية في البرمجة، ويبدو أن الأمر الذي تأجل سابقا استقر عليه الرأي داخل ادارة الاذاعة بعد ان تسبب لها رئيس التحرير متورم الشخصية بعنهجيته في كثير من الاشكاليات، فضلا عن ان الخرق المهني الأخير كان فاحشا، بل إجرامي أصلا.
وفعلا فالسقوط كان مركبا، أخلاقي مهني ووطني وقومي، انه إعلام بلا ضمير إعلام بلا وطنية، همش وضرب الثورة منذ فجرها الأول، وصنع قبل ذلك ولعشرات السنين الدكتاتورية والفساد ودعم العمالة للخارج، نشر الاشاعات الزائفة وزرع الانقسام داخل الوطن على امتداد الخمس سنوات الماضية، نفخ في الارهاب وخلق الانهيار الامني والاقتصادي وحتى السياسي، واليوم يستبيح بلا شفقة عمق الوطن.
المغرب هي عمق تونس التاريخي، اذا انقطع هذا الرابط دخلنا في داموس العزلة، إنهم يحرقون الوطن، ويضعون مصير شعب على المقصلة، هذا الإعلام الفتنوي الاستخباراتي لا يَصْلِحْ ولاَ يُصْلِحْ.
وفي انتظار الملاحقات القضائية التي ننتظر أن تكون جدية هذه المرة، وزجر كل الأفعال الإجرامية بما تستحقه من عقوبات، الاعتذار عدلا ونزاهة واجب للشعب والقيادة المغربية.. وفي النهاية نقول "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا"!!
(*) قانوني وناشط حقوقي