لا نحتاج في هذه الصحيفة الى الجنرال مايكل فلين قائد العمليات الامريكية الاستخبارية خلال غزو العراق واحتلاله في اذار (مارس) عام 2004 لكي يقول لنا، وبعد تقاعده من الخدمة العسكرية، ان هذا الغزو كان خطأ فادحا، وان الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي حول ليبيا الى دولة فاشلة، بسبب بسيط وهو اننا عارضنا الحرب الاولى في العراق بشدة، وانتصرنا للشعب العراقي وسيادته الوطنية، ووحدة بلاده الجغرافية والديموغرافية، وعارضنا بشدة تدخل طائرات حلف الناتو في ليبيا، وحذرنا من الفوضى الدموية، وملأ الجماعات المتشددة الفراغ الذي سينجم عن انهيار النظام الليبي ومؤسساته، وطالنا بسبب ذلك الكثير من الاذى، وحملات التشكيك من قبل من ايدوا التدخل العسكري الغربي في البلدين الشقيقين.
عندما كان العراق موحدا، قويا، وغير طائفي، كان هناك الحد الادنى من التعايش والاستقرار، وكان العراق قوة اقليمية عظمى مرهوبة الجانب، تحقق التوازن الاستراتيجي في منطقة ملتهبة.
الجنرال فلين اعترف بأن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان قاسيا، لكنه اعترف ايضا ان القضاء عليه لم يكن صائبا، وقال “لو لم تقم الولايات المتحدة بغزو العراق لما ظهرت داعش (الدولة الاسلامية)”.
ما لم يقوله الجنرال فلين، ان هذا الغزو الامريكي للعراق جاء مقدمة ضرورية لكل ما يحدث في منطقة الشرق الاوسط من فوضى دموية، وتقسيم طائفي بغيض، وتفكيك للدول القطرية الواحدة تلو الاخرى، لتحقيق مصالح اسرائيل في الهيمنة على المنطقة.
المجموعة الموالية لاسرائيل ومعظمها من اليهود التي سيطرت على دائرة صنع القرار في الولايات المتحدة، بزعامة المؤرخ البريطاني برنارد لويس، وتوجيهاته هي التي وضعت خطة غزو العراق واحتلاله، وهي التي وقفت خلف الحملتين الاعلامية والسياسية لتهيئة الاجواء وشيطنة الحكم الليبي، وتضخيم جرائمه لغزو ليبيا وتفتيتها، وسحل الرئيس القذافي في الشوارع، والتمثيل بجثمانه، والاعتداء عليه بعد قتله، بطريقة جنسية وحشية لا يقرها اي دين سماوي او غير سماوي، واذا كان برنارد لويس، وريتشارد بيرل، وبول وولفوفيتش كانوا مهندسي حرب العراق فاننا نذكر ايضا بأن برنارد هنري ليفي كان النسخة الليبية الاخرى، وينتمي الى العقيدة نفسها.
لعل مذكرات الجنرال المتقاعد الآخر بول بريمر الحاكم العسكري الامريكي الاول للعراق ستكشف الكثير من الاسرار بعد تصويبها، وابرز هذه الاسرار ان حل الجيش العراقي لم يكن قراره، وانما قرار اسرائيل ورجالها في البيت الابيض، ووزارة الدفاع “البنتاغون”، لان هذا الجيش كان يشكل الخطر الوجودي الاكبر عليها.
الغزو الامريكي للعراق، والفتنة الطائفية التي زرعها بمساعدة عملاء مثل الدكتور احمد الجلبي وامثاله، هي التي وفرت الحاضنة لنمو “الدولة الاسلامية”، وصعود قوتها العسكرية والعقائدية والسياسية، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه، والحقائق الثابته الموثقة التي بدأت تطل برأسها على استحياء يوما بعد آخر.
“راي اليوم”