جعل العلماء لتلقي الفقه قواعد لا يحيد عنها إلا هالك يورد أهله وأصحابه المهالك. فالفقه يؤخذ عن طريق التلمذة لدى الشيوخ وليس عن طريق الكتب والمدونات الفقهية، التي قد يقع في نقلها أخطاء وكوارث. فالطبيب بعد أن يدرس سنوات وسنوات ويجري أبحاثا وفحوصا لا بد له من طبيب يتدرب على يديه، وكذلك النجار والميكانيكي واللحام والكهربائي. وحده الفقه الذي ضاع بين الناس وأصبح من الممكن أخذه عن أي طريقة. لم نر طبيبا تعلم الطب من الكتب. نعم هذه الأخيرة مهمة في العلم النظري وتلقي العلوم، لكن الطبيب المعلم شيء ضروري. وقد كان العلماء لا يعتبرون المتعلم عن طريق الكتب فقيها وضربوا بذلك مثلا عن الطبيب المداوي الذي لا يمكن أن يكون طبيبا عن طريق الكتب. فرووا أن معالجا تعلم عن طريق الكتب فلما قدم عنده مريض وشخص حالته وصف له دواء مكونا من عدة مواد بالإضافة إلى الحية السوداء. الطبيب قرأ الحبة السوداء حية سوداء لأن ذبابة آثمة مرت فوق الكتاب ووضعت برازها. فمات المريض عوض أن يبرأ. ولم يكن الفقهاء يأخذون علمهم إلا من أفواه الرجال. "خذوا العلم من أفواه الرجال" وصل به البعض إلى درجة الحديث. ومهما يكن حديثا أو قولا مأثورا فهو صالح تمام الصلاحية للتعبير عن مسارات العلم كيفما كانت، فبالأحرى أن يكون هذا العلم هو الفقه. اليوم ظهر فقيه جديد اسمه "غوغل". هذا الأخير محرك بحث جاء في إطار أصبحت فيه العولمة أعلى مراحل الرأسمالية بعد أن ضربت نظرية لينين في الصفر أو تجاوزتها. وهو يعني تحريك المال عبر الإلكترونات بدل الشركات الكبرى والمصانع، وبدل نهب الخيرات فهو ينهب الجيوب والعقول. غير أنه يتيح إمكانيات فائقة للبحث والتعاطي مع المعارف البشرية التي تنتج يوميا، ففيه الدراسات الرصينة وفيه الكتب المقدرة والمحكمة وفيه أشياء كثيرة لكن فيه الغث أيضا الذي يدمر البشرية. ولابد من الإشارة إلى أن الجامعات لا تعتمد البحث عبر الأنترنيت في أصول المراجع والمصادر، لأنه ليس وثيقة محصنة من الاختراق. هناك سؤال ملحاح: هل يمكن تلقي المعرفة الطبية والرياضية وغيرها من غوغل؟ طبعا لا .يمكن العثور على بضع معلومات لكنها لا تفيد في الاستشفاء. وكم من حمية حصل عليها صاحبها من الأنترنيت أورثته أمراضا مستعصية. إذا كان لا يحق أخذ الطب من الأنترنيت فكيف يتم السماح بأخذ الفقه من "غوغل"؟ هذا الفقيه يمنحك المعرفة الدينية والفتوى في أقل من رمشة عين وقبل أن "يرتد إليك طرفك" مثل عفريت سيدنا سليمان. لكن مشكلة المعرفة الدينية التي تتلقاها من الفقيه "غوغل" مثلها مثل من يبحث عن الذرر في مزبلة. يمكن أن يعثر عليها ويمكن أن يعثر على زجاجة قاتلة. وتتحمل الدول المتقدمة صانعة هذا "العجب" المسؤولية عن انتشار التطرف والإرهاب، الذي كان أفكارا تصل بصعوبة إلى الناس لكنه سهل رواجها مع العلم أن له إمكانيات كبيرة لمنع تداولها.