قدم المغرب نموذجا يُحتذى به في مجال مكافحة الإرهاب، فعندما وقعت كارثة 16 ماي الإرهابية، التي هزت مدينة الدارالبيضاء القلب الاقتصادي للمغرب، لم تقف بلادنا عند البكاء والتباكي على الأطلال، دفنا الشهداء وعالجنا الجرحى وشمرنا على ساعد الجد من أجل بناء الدولة التي لا تفرط في أمن مواطنيها، فلا ينبغي أن نترك الإرهابيين والمتطرفين يستغلون أجواء الديمقراطية لطعن البلد من الخلف، ولهذا اختار نهجا يحافظ فيه على دولة الحق والقانون لكن مع إقرار قوانين تمنحه الأمن والأمان من الضربات الإرهابية. وطور المغرب ترسانته القانونية كما طور جهازه الاستخباراتي من أجل فعالية أكبر، ومع توالي السنين، واتساع دائرة الجريمة المنظمة والجريمة الإرهابية أصبح المغرب مرجعا دوليا في المعلومة وطرق وأشكال التصدي للظواهر الإجرامية والإرهابية، وذلك من خلال قوانين ناظمة تضع واجبات للدولة وحقوقا للمواطنين وتحمي من الإرهاب. لكن المغرب واجه صعوبات في هذا المجال، وجاءت المواجهة من أبنائه في الداخل وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية، الذي كان ضد إقرار قانون مكافحة الإرهاب وحتى بعد التصويت عليه بدأ يتحرش به في تصريحات زعمائه وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران ومصطفى الرميد، وازداد عنفهم ضد هذا القانون بعد موجة الربيع العربي الفاشلة التي أوهمتهم أن ما زرعته الوهابية ستحصده هذه الأيام. ولم يقف الحد عند أبناء المغرب بل تعداه إلى منظمات ودول وخصوصا أوروبا، التي استكثرت على المغرب أن يكون له قانون يحمي به نفسه من نار الإرهاب، التي لم يكتووا بها وقتذاك. وأصبحت ورقة تخرجها هذه الدول والمنظمات كل وقت وحين، وتعتبرها أداة ضغط من خلال ملفات بلعيرج وعلي أعراس والمومني، مع العلم أن القضاء تابع بعضهم بالإرهاب وآخرين بالجريمة. فالمغرب ليس دولة قاصرة وغير راشدة أو منعدمة السيادة، ولهذا كان لزاما الاعتراف لها بحق إقرار قانون لمكافحة الإرهاب، لكن كان ينبغي الصبر سنوات حتى تواجه أوروبا الإرهاب، حيث اعترفت إسبانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا بدور المغرب في مكافحة الإرهاب، واستفادت متأخرة من الدرس، بعد أن أكدت المخابرات المغربية أن لها دورا حاسما في مكافحة الإرهاب. لكن رغم كل ذلك فإننا نتخوف من أن هذا المغرب الذي يوجد اليوم في صلب القرارات الدولية ومرجعية من مرجعيات بناء الجيوبولتيك، لا يستفيد من هذا الوضع، لأن التجربة أكدت أن العديد من الجهود المغربية لا يتم استثمارها بشكل جيد، فالمغرب الذي بذل قصارى جهده في استيعاب المهاجرين ومنحهم اللجوء وحق الإقامة والشغل وحمى أوروبا من موجات اللجوء من الجنوب لم يحصل على شيء. وحتى المبالغ المالية المقررة للمساعدة لم يتلق منها سوى النزر اليسير الذي لا يكفي لطبع بطائق الإقامة. اليوم والمغرب يوجد في قلب المعادلة الدولية، لابد من التساؤل إلى متى سيبقى هذا البلد معطاء؟ متى سيفكر في مصالحه؟ متى نستعمل هذه الأوراق لصالح ملفاتنا الكثيرة التي ما زالت راكدة في رفوف وزارات الخارجية والصيد البحري والتجارة والصناعة وغيرها؟ المغرب لن يكون عجلة احتياط يتم الاستفادة منه عند الضرورة ولكنه فاعل ينبغي أن يدافع بقوة عن مصالحه الاستراتيجية.