ان السؤال عن كيفية مواجهة الإرهاب يستوجب في جزء منه جوابا هو أن تكون هذه المواجهة بطريقة أمنية صرفة، بمعنى ضرورة ضرب"داعش" وتوقيف كل أولئك الذين تخرّجوا منها أو ينتمون إليها واعتقالهم، لكن مع ضرورة التساؤل حول الظروف السياسية التي تتم خلالها جرائم هذا التنظيم ،مع مراعاة خروقات الذل و الظلم التي تجعل من التنظيم ذاته يستفيد من دعم كبير و لا مشروط من منطقة ساخنة هي الشرق الأوسط و يزرع في نفس الوقت الرعب باحترافه " مهن" دموية يمارسها داخل أوروبا بكل حرية، في حين يستوجب الواقع وضع نموذج لتنمية اجتماعية و عادلة في نفس الوقت ، هناك في أوروبا و هنالك في الشرق الاوسط. الحقيقية هي أن الإرهاب تغذى و يتغذى من مستودع للبارود شرق أوسطي غير شرعي ساهمنا كلنا في إنشائه، و" داعش ط أو الدولة الإسلامية في العراق و بلاد الشام خرجت مباشرة من تفتيت النظام العراقي وتقسيم العراق و بشكل أصح خرجت من انهيار النظام الحدودي المضروب في المنطقة منذ 1920. فبعد اقتحام الكويت من طرف النظام العراقي خلال 1990- 1991، سارعت قوى الائتلاف إلى بعث قواتها لإعادة البترول و حقوله إلى أمراء المنطقة و إلى الشركات الغربية الرابضة هناك في حين لم يكن أحد على علم بالمرحلة الجديدة للحروب التيكنولوجية غير المتماثلة التي فرضت نفسها إذ ذاك في تجربة قضى فيها بعض المئات من قوات الائتلاف بهدف تحرير الكويت ، مقابل عشرات الآلاف من القوات العراقية، وذلك هو المنطق الذي تم الدفع به إلى حد الذروة خلال الحرب الثانية على العراق ما بين 2003 و 2011، وكانت النتيجة قتل 500 ألف عراقي مقابل أربهعة ألاف جندي أمريكي، وكان كل ذلك بمثابة انتقام لفائدة 3 آلاف أمريكي لقوا حتفهم في الضربات الإرهابية للحادي عشر من شتنبر2001،وهي الضربات التي لم يكن لها إذ داك من صلة بالعراق من قريب أو بعيد. هذه الحقيقة المرتبطة بخسارة فادحة في الأرواح في غياب مخرج سياسي للنزاع العربي الإسرائيلي وحدها تكفي لتبرير كل العمليات المنفذة من طرف الجهاديين، مع متمنياتنا ألا تنساق روسيا و فرنسا اليوم في نفس السياق الذي انغمست فيه الولايات المتحدة الأمريكية، و ألا تخلفان إلا القليل من الخسائر.. لمواجهة الإرهاب يجب فهم ما توجد عليه منطقة الشرق الأوسط من تركز للثروات مقابل عدم الاستفادة منها بشكل عادل.فبعيدا عن المواجهات الدينية التي تنخر منطقة الشرق الأوسط، من الواضح ان مجموع النظام السياسي و الاجتماعي للمنطقة متجاوز و هش بسبب تركز الثروات البترولية في مناطق تكاد تكون من دون مواطنين. و بمسح للمنطقة الجغرافية الممتدة من مصر إلى إيران ، مرورا بالعراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية يتضح أن عدد السكان لا يتجاوز بالكاد 300 ألاف نسمة كما يتضح ان "مملكات" البترول تجمع مابين 60 و 70 في المائة من الناتج لداخلي الخام الهذه الجهة مقابل 10 في المائة فقط من الساكنة الشيء الذي يجعل المنطقة منعدمة المساواة على البسيطة..مع العلم أن اقلية من سكان إمارات و مملكات البترول تحتكر بشكل غير شرعي جزء من ثروة البترول في وقت تعتبر فيه أعداد واسعة ( نساء و عمال مهاجرون) في عداد أشباه العبودية، ومع ذلك تستفيد هذه الأنظمة من الدعم العسكري و السياسي من طرف القوى الغربية التي تنتشي لتحصيل الفتات من أجل تمويل بعض أنديتها لكرة القدم، وذلك في الوقت الذي يسيطر شح كبير في تقديم دروس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية للشباب الشرق أوسطي. لا شك أن أموال البترول و الغاز يجب أن تصرف بأولوية في التنمية الجهوية.ففي 2015 مثلا ، تم تحديد الميزانية المالية لقطاع التعليم في مصر العربية التي يصل عدد سكانها إلى 90 مليون نسمة ، في عشرة ملايير دولار فقط ،في حين ،وعلى بعد مئات الكيلومترات فقط تبلغ عائدات البترول 300 مليار دولار في الملكة السعودية التي لا يتجاوز عدد سكانها 30 مليون نسمة،فيما تبلغ هذه العائدات 100 مليار دولار في دولة قطر و سكانها الذين لا يتجاوز عددهم 300 ألف نسمة، فنموذج للتنمية على هذا الشكل ، غير عادل، لا يمكنه أن يؤدي إلا إلى الكارثة. أما فيما يخص الخطابات الفضفاضة حول الديمقراطية و الانتخابات فمن الواجب التوقف على الأخذ بها و اعتمادها فقط كلما كانت نتائجها لصالحنا نحن الغرب، إذ ماذا يفهم من انتخاب محمد مرسي في 2012 رئيسا لمصر في انتخابات "نموذج" على الساحة العربية ، لكن في 2013 تم طرده من السلطة من طرف المؤسسة العسكرية الذين أعدموا للتو الآلاف من " الإخوان المسلمين" في وقت سارعت فرنسا إلى الاستفادة من الوضع بإبرام صفقات "تجارية" لعدد من الفرقطات الحربية ولمشاريع التنمية والبُنى التحتية مع السلطات المصرية الجديدة،ليبقى السؤال هو لماذا لم يتم هذا التعامل بهذا النوع من الديمقراطية مع المسلسل الانتخابي في الجزائر في 1992. أما مسألة كيف يمكن لشبان نشأوا وترعرعوا في فرنسا أن يزاوجوا بين العيش في بغداد أو الرقة و بين الضاحية الباريسية في نفس الوقت ،وكيف يجلبون دروس الصراعات التي تدور هناك في الشرق الأوسط، فلا جدل في أن البطالة و الهشاشة لهما دورهما هاهنا و لا غرابة في أن البدائل المُغرية المطروحة هناك تستميل حتى من هم على أحسن ما يرام. فاوروبا التي كانت تستقطب أكثر من مليون مهاجر قبل الأزمة عليها ان تراجع منظومتها للشغل لأنه بالتنمية الاجتماعية و المساواة يمكن الخروج من النفق. *اقتصادي فرنسي مدير الدراسات بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية و أستاذ بمدرسة الاقتصاد بباريس، صاحب كتاب الرأسمال في القرن21.