نخطئ إذا تصورنا أن إصلاحا معينا للإسلام في فرنسا و تأطيره عن قرب ، سيفضي إلى وقاية فرنسا من هجمات جديدة . نرفض بعناد النظر إلى أن المشكل من الأساس و قبل كل شيء هو مشكل سياسي .
On se leurre en pensant qu’une réforme de l’islam en France et son encadrement plus serré pourraient contribuer à immuniser la France contre de nouveaux attentats. On refuse obstinément de voir que le vrai problème de fond est avant tout politique.
ORIENT XXI : MARC CHER-LEPARRAIN - 10 MARS 2015
1 - مرة أخرى تنجز قوى الإرهاب " وعدها " ، و تضرب بعنف دموي رهيب قلب العاصمة الفرنسية باريس ، محدثة رجة مزلزلة ، خلفت مئات القتلى و المصابين ، و أضرارا مادية و نفسية بالغة التأثير ، و ما من شك في أن يوم الجمعة 13 نونبر 2015 سيكون له ما بعده ، فرنسيا و عربيا و دوليا . و نحن بقدر ما نرفض و نندد و نستنكر هذه المجزرة الإرهابية ، التي صوبت بعناية نحو مواطنين أبرياء ، بقدر ما ندعو إلى التعاطي مع هكذا أحداث فائقة الرعب ، بشكل كبير من رجاحة العقل و هدوء التحليل و شمولية الرؤية !
2 - لقد أجمع الخبراء و كثير من المحللين السياسيين الدوليين ، المعروفين بنزاهتهم و دفاعهم غير المحدود عن منظومة حقوق الإنسان ، و القوانين و المواثيق الدولية ، أن الإرهاب في شتى تمظهراته وليد سياق سوسيو اقتصادي و مسلكيات سياسية مخصوصة ، و بالتالي فإن أي حديث ، إقليميا أو دوليا ، عن أولوية و ملحاحية محاربة الإرهاب يستوجب مبتدأ و خبرا ، استقراء دقيقا للمسببات و العوامل الحاضنة " للمشاريع " الإرهابية العابرة للقارات !
و هكذا فلئن أضحت الدول الغربية و الفرنسية على وجه الخصوص ، ضحية للهجمات الإرهابية المشينة ، فإنها طرف أساسي في تأجيج نار الفتن ، و جحيم الحروب و الصراعات ، و النعرات السياسية و الدينية و العرقية و اللغوية .. في الساحة العربية المستباحة .
3 - ألم يغز الغرب عراق صدام حسين ، و يدمر بلاد الرافضين تدميرا ، و يترك الشعب يائسا و غارقا في محيط من الدماء ، بلا أمل في رؤية ضوء في آخر النفق ؟ ألم يستبح الغرب أفغانستان ، و يلقي عليها أطنانا من الدمار " الشامل " ، لتصبح لقمة سائغة بين مخالب البؤس اللامتناهي ؟ ألم يقف الغرب الديمقراطي " جدا " في وجه عواصف الربيع العربي ، الذي خرج فيه الشباب العربي المتعلم ، ليملأ ساحات التغيير و التحرير ، مطالبا بإسقاط الفساد و الاستبداد ، و يدعو بكل ما امتلكه من قوة إلى بلورة مشاريع سياسية ديمقراطية بحصر المعنى ، و نشر قيم الحرية و الكرامة و المساواة و العدالة الاجتماعية ؟ أليست هذه القيم هي نفسها ما يشكل سدى و لحمة المواثيق و الحقوق و القوانين الإنسانية المتعارف عليها دوليا ؟ فلماذا لم تقف الأنظمة الغربية في صف المطالب الشبابية العربية العادلة ، و المطابقة للتجارب السياسية المدنية العالمية ؟ لا ، بل ألم تناصر الحكومات الأوروبية كثيرا من صناديد الأنظمة العربية القمعية حتى " الرمق الأخير " : حسني مبارك ، زين العابدين بنعلي ، معمر القذافي ، عبد الله صالح ، بشار الأسد .. ؟ ألم يؤيد الغرب الرسمي الانقلاب العسكري الدموي في مصر على الشرعية الديمقراطية و المؤسسات الدستورية ، وعلى أول رئيس مصري منتخب بطريقة ديمقراطية " متعارف عليها دوليا " ؟ و قبل هذا و بعده ، ألم يساند الغرب دون قيد أو شرط المجازر الإسرائيلية سنين عددا في حق أبناء الأرض ، و تحميل الفلسطينيين كل الأوزار بمجرد دفاعهم عن حقهم في الوجود ، و في دولتهم المستقلة ، أمام غطرسة إسرائيل المدللة لدى المنظومة الدولية الغربية ، " المنافحة " عن حقوق الإنسان ؟ ألم تتخل الحكومات الغربية عن المواطنين العرب القاطنين في بلدانها عشرات السنين ، و تتركهم أمام خيارين أحلاهما مر : الاستسلام لواقع الميز العنصري ، و الحيف الاجتماعي و الديني و الثقافي و السياسي .. أو الارتماء بين أحضان الحركات الدينية المتشددة من قبيل تنظيم الدولة ؟ ..
4 - في ملة صاحب هذه السطور و اعتقاده ، أن أي محاربة للعمليات الإرهابية لن تكلل بالنجاح ما لم يرافقها عمل استراتيجي حصيف و مسؤول ، و على المدى البعيد ، و برنامج سياسي محكم الدقة و منسجم الخطوات ، و لعل خطوته الأولى الالتزام بالحياد الإيجابي في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي ، و البحث الفعلي و ليس المضلل ، عن الحل النهائي لمعاناة الشعب الفلسطيني المضطهد في زمن الإسهال الإعلامي حول حقوق الإنسان و القيم الكونية ، و التخلى عن تأييد بعض الحكام العرب المشهود لهم باستعداء شعوبهم و حرمانها من الحق في العيش الكريم ، تحت إغراء صفقات السلاح ، و البحث عن المنافع التجارية المحض على حساب القيم الإنسانية النبيلة ، و احترام المرجعيات الثقافية و الدينية و الحضارية للمجتمعات الإسلامية ، و التوقف عن اللعب بالنار ، عبر التشجيع المادي و اللوجستيكي للجماعات العربية " الناشطة " في مجال زرع قنابل التعصب الإثني و اللغوي و الديني و الجهوي .. و الكف عن النظر إلى أن الإسلام دين الإرهاب و العنف ، إن مثل هذا الحكم المسبق و الممنهج يخلو من أي صدقية أو جدية علميين .
5 - إن الإسلام في البداية و النهاية دين سماوي عظيم جاء لإخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور المدنية و الحضارة ، و أن أي قراءة متشددة و واحدية البعد ، للقرآن الكريم و الحديث النبوي الصحيح ، إنما هي وليدة سياق سياسي ومعرفي بالغ التشنج و التهافت ! و على الأنظمة الغربية الرسمية أن تعيد النظر من منظور نسقي إنساني أخلاقي ، إلى مسألة المهاجرين ، و عدم وضعهم جميعا في سلة واحدة . إن الظلم الاجتماعي الذي يقض مضجع سكان الضواحي ، و قاطني الهامش في البلدان الغربية هو ما يجب أخذه بعين الاعتبار و العناية ، و إذا كنا لا نرفض الحلول الأمنية الضرورية لاستتباب الأمن و السلام في ربوع العالم ، فإننا نرى أن الحل الأمني يجب أن يكون مجرد عنصر في منظومة نسيقة ، تستحضر مختلف عناصر التربة الحاضنة للنزوعات الإرهابية غير المقبولة !
الصادق بنعلال – كاتب من المغرب