قررت فرنسا توشيح عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمراقبة التراب الوطني، وأعلن عن ذلك بيار كازانوف، وزير الداخلية الفرنسي، أثناء زيارته للمغرب ولقائه مع وزير الداخلية والوزير المنتدب في الداخلية، وكان ينتظر كل المغاربة في آخر زيارة لفرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، للمغرب، التي توجت بقرارات واتفاقيات هامة بين البلدين، أن يتم هذا التتويج. وظل سؤال واحد يُطرح على الرأي العام والصحفيين المتتبعين، هو لماذا تم تأجيل توشيح حموشي خلال تلك الزيارة. الواضح أن مجموعة من الجمعيات، التي لا شغل لها وتمتهن النضال من أجل تحقيق أهداف تمويلية والمدعومة من قبل خصوم المغرب، شنت حملة شعواء ضد المغرب وضد أجهزته الأمنية وخصوصا المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وكان موضوعها هو علي أعراس، الإرهابي بدرجة تاجر سلاح، والبوكسور المومني المناضل بدرجة مبتز كبير الذي يسكت عند أول لقمة ترمى في فمه. وجاءت الزيارة طبعا بعد سنة من الجفاء، إثر الفعل الأرعن الذي قامت به المصالح الأمنية الفرنسية، تجاه المسؤول الأول عن المخابرات المغربية عبد اللطيف حموشي، وهو الذي اعتبره المغرب إهانة له كدولة مستقلة، خصوصا وأن الرجل استطاع تطوير جهاز المخابرات وأعطاه فعالية جديدة غير مسبوقة في تاريخ عمل هذا الجهاز. الفعل المذكور دفع المغرب أن يكون حاسما لأنه اعتداء على سيادة بلد، وبالتالي قرر تعليق اتفاقيات التعاون القضائي وسحب قاضية التواصل من باريس، لأن المغرب لا يقبل الانتقاص من قيمته. لكن فرنسا كانت هي الخاسر الأكبر، بفعلها هذا فقدت صديقا خلال سنة كاملة كان بالإمكان أن يجنبها العديد من العمليات الإرهابية. اليوم وأمام هول الفاجعة التي حلت بفرنسا، فهمت فرنسا أنها كانت مخطئة في ملف علي أعراس وأن الجمعيات التي دافعت عنه وعن البوكسور المومني هي جمعيات للعب على جميع الأوتار من أجل تحقيق مصالح، وأن الحملة التي شنها الإعلام الفرنسي مغرضة وأن تأخير التوشيح مجرد تفاهة. بعد الأحداث الأخيرة أزالت فرنسا قناع الديمقراطية والحريات، لأنه لا ينفع أمام هول المخاطر، وفرضت حالة الطوارئ، واضطر هولاند لإعلان أن فرنسا في حالة حرب، حتى يتسنى له إعلان حالة الطوارئ حتى لا يناقض المادة 17 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وصوت البرلمان على الطوارئ، التي تعني تولي الجيش مهام الأمن، والمداهمات لم تعد في حاجة إلى إذن النيابة العامة وتتم في أي وقت كان. الإجراءات التي اتخذها المغرب بعد الاكتواء بنار 16 ماي كانت أقل بكثير من ذلكـ، فالمغرب لم يعلن حالة الطوارئ ولم ينزل الجيش من ثكناته، وعمليات الدهم والاعتقال والمتابعة تتم وفق قانون صوت عليه البرلمان المغربي. ورغم ذلك اعتبروا هذه الإجراءات تضييقا على الحريات، وقياسا على هذا ينبغي اعتبار الإجراءات الفرنسية قتلا للحريات. بعد هذه التطورات، هل ستراجع فرنسا نظرتها للمغرب ويقول وزير داخليتها إن المغرب هو الذي ساعد في الكشف عن الإرهابيين ولا يتوارى خلف عبارة بلد من خارج أوروبا؟ هل تكون لديه الشجاعة مثل وزيري إسبانيا وهولندا اللذين أعلنا أن معلومات مغربية جنبتهم مخططات إرهابية خطيرة؟ فعبد اللطيف حموشي، الذي وشحته إسبانيا واعترفت بدوره في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، له أوسمة بلده الذي ينعم بالاستقرار، هذا الرجل بهذه القيمة استكثرت عليه فرنسا وساما، لكن التاريخ يسجل الانتصارات ولا يسجل الأحقاد الصغيرة.