لقد استهدفوا باريس ليس فقط بسبب سياستها الخارجية في ليبيا أو سوريا، إن البحث عن مسوغات للإرهاب هو بمثابة تواطؤ معه ولو كان ذلك بحسن نية». هكذا قلناها بالأمس، لأننا كنا نعرف أن هناك من سيقترف هذا العبث في «التحليل»، ولم تخب توقعاتنا ونحن نقرأ، من يقول للفرنسيين، وفي مقدمتهم الزميل توفيق بوعشرين، في أوج الصدمة والرعب، إن استهدافهم من طرف قوى الإرهاب الدولي ، قد يكون له ما يبرره.
أجل إنه العبث بعينه أن نسمع من يريد أن يفهمنا أن مذبحة باريس جاءت بسبب سكوت الحكومة الفرنسية على احتلال إسرائيل لأرض فلسطين، وسماح الفرنسيين لبشار الأسد بأن يقتل كل هذا العدد من شعبه، وعمليات القصف الجوي التي تقوم بها الطائرات الفرنسية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وحتى بيع السلاح الفرنسي للرئيس المصري يبدو وفق هذا العبث مسوغا للاعتداء على باريس بسبب أن عبد الفتاح السيسي فض اعتصام رابعة العدوية الذي حرضت عليه جماعة الإخوان المسلمين!!.
إنه مما يبعث على السخرية حقا أن يحاول البعض إقناعنا بأن داعش تنتقم لفلسطين وهي التي لم تنفذ يوما أي عملية في العمق الإسرائيلي، ومن المضحك فعلا أن داعش تنتقم لمحمد مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين من الرئيس فرانسوا هولاند، وهي التي كفرت كل تيارات الجهاديين التي لا تعلن مبايعتها لأمير الإرهابيين أبي بكر البغدادي، وبينما تمارس فرنسا حق الدفاع الشرعي عن أمنها القومي في العمقين السوري والعراقي يأتي البعض منا ليقدم الحرب على مقاتلي داعش كما لو أنها احتلال أو استعمار جديد.
حتى جماعة العدل والإحسان الأكثر تعصبا سياسيا في المغرب لم تقترف مثل هذا الجرم الذي يريد أن يبرر الإرهاب باسم النبل السياسي، في بيان دائرتها السياسية قالت الجماعة بوضوح إنها تعبر عن «استنكار الهجمات الإجرامية التي تستهدف الأبرياء في كل مكان وآخرها ما حدث في باريس وبيروت واسطنبول وأنقرة وشرم الشيخ ورفض تبريرها بأي مسوغ»، لكن يبدو أن بعض صناع الرأي العام في المغرب، هم أكثر طفولية من جماعات سياسية لها على كل حال مواقفها المبدئية من العنف أيا كان مصدره.
لنكن واضحين ، الإرهاب ليس موقفا سياسيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن توجد له تبريرات، الإرهاب يبقى إرهابا يدخل في خانة الجرائم الإيدولوجية، مثلما أن الإرهابيين ليسوا مناضلين ولا مقاومين ولا مجاهدين، وهم ليسوا فقط أولئك البؤساء القادمين من الهامش الاجتماعي، لقد أفلست منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر في الولايات المتحدة الأمريكية تلك الأطروحات السطحية التي ربطت بين الفقر والتهميش ونزوعات التطرف، إن الإرهاب هو تعبير عما هو أعمق، عن خيار في الحياة ونوع من التصور للمجتمع، وعن لعبة القوى الدولية في صراعات المصالح الاستراتيجية.
لدينا من الإرهابيين الآن من لا يطمح لتحرير فلسطين بقدر ما يسعى إلى إقامة دولة للسبي والقتل، ولدينا من تجار الدم أثرياء وأغنياء وأطر عليا، ولدينا من هؤلاء القتلة العشرات من الذين يكفرون جماعات الإخوان المسلمين ويتمنون لو أبيدوا جميعا ليفرغ لهم مجال التوسع والهيمنة السياسية والايديولوجية، والإرهاب الداعشي أساسا ينتقم من فرنسا وروسيا وقد بدأ اللعبة الدموية مع تركيا وغيرها لأن هذه الدول استهدفت مصالحه التوسعية في سوريا والعراق، وليس لأن طائرات الفرنسيين أو الأمريكان وحتى الروس قتلت مواطنين سوريين وعراقيين أبرياء لا يجب أن ننسى أن داعش هي من كانت السباقة إلى زج أعناقهم واغتصاب نسائهم.
في حالات الصدمات الإنسانية الكبرى ، وفي حالات الإرهاب الدموي، لا يسمح بالتحليل السياسوي السطحي، ويكون من المقزز إعطاء الدروس للآخرين بينما هم مدرجون في دمائهم وأحزانهم، النبل يكون بقول الحقيقة كما هي ، وهذه الحقيقة ليست إلا واحدة: الإرهاب مثلما أنه لادين له ، لا مسوغ له أيضا، والإرهاب في الأخير يبقى إرهابا من دون زيادة أو نقصان في الفهم أو الإفهام.
بقلم: يونس دافقير