لم يكن من الضروري أن تصدر قيادة مريدي شيخ الرؤية و"القومة" بلاغا تعلن فيه انضمامها إلى فلول دعاة مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، قبل أن تصدر بيانا توضيحيا عما جرى في أزقة و شوارع وغرف أثينيا، أو بمخيم إموزار، ذلك أن الرأي العام يهمه كثيرا أن يعرف ما الذي يدفع امرأة "محصنة" إلى الارتماء في أحضان غير أحضان بعلها، والسر الذي يجعل "قيادية"حجم نادية ياسين تخرس كل هذا الوقت، من دون أن تدرأ عليها التهمة، فأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، لم ينتظروا شهرا أو سنة من أجل أن تنزل الآية الكريمة التي تبرئ السيدة عائشة رضي الله عنها مما اتهمت به في واقعة الافك...لأن قبيلة الشيخ ياسين لم تكن في يوم من الأيام معنية بالمشاركة في أي عملية ديمقراطية، لأنها لا تؤمن بها ولا تعترف بمبادئها الأساسية، وفي طليعتها حق الاختلاف في الرأي، وحرية التعبير، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
انطلاقا من هذه المعطيات يتضح أن بلاغ أصحاب "القومة"، لا يعدو أن يكون سوى محاولة إثبات الذات، والإعلان عن الوجود بالتعبير عن موقف لا يزيد ولا ينقص في المشهد السياسي الوطني لأسباب منها أن الجماعة، لا تؤمن إلا بفتاوى الشيخ، ولا تهتدي إلا بقراءات وتفسيرات وارثة مشيخته، التي أخرست لسانها الفضائح المتوالية، فلم تجد ما تقدمه برهانا على "طهارتها" إلا الالتفاف على الحقيقة، والسعي إلى التضليل، بافتعال قضايا ثانوية لا تدخل في صلب النقاش الذي تقتضيه المرحلة، وبالتالي يتساءل الرأي العام عن القيمة المضافة لموقف جماعة ياسين التي أصبحت تتمسح بألد أعدائها من اليساريي،ن وأخذت تتماهى مع مواقفهم في إطار من الميكيافيلية القائمة على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة .
وهكذا فإن أتباع ومريدي شيخ القومة لا يهمهم مع من هم يتخندقون أكثر مما تهمهم الغاية والهدف، ذلك أن مسعى الشيخ ومرديه هو إقامة "خلافة" يصفونها بالراشدة، وما هي براشدة، والاحتكام إلى رؤى وفتاوى مبنية على الأحلام والهلوسة التي تصيب بعض أصناف الناس عندما يبلغون أرذل العمر ، أما الممارسة الديمقراطية والأحزاب والبرلمان وصناديق الاقتراع، ففي تقديرهم رجس من عمل الغرب الكافر، وتقليد أعمي لأعداء الإسلام في أوربا وأمريكا.
لكن عداوة الشيخ لأهل أوربا وأمريكا ،لا تمنع وارثة مشيخته من الحج إلى باريس وروما وواشنطن، للتبرك بتوصيات اللوبيات المسخرة من بعض الجهات التي لا يخدم ترسيخ الديمقراطية في المغرب ، مصالحها الاقتصادية والسياسية ،وبالتالي فمن مصلحتها عرقلة كل المشاريع والجهود الرامية إلى بناء مجتمع حداثي وديمقراطي ، يقطع الطريق وإلى الأبد على التيارات المتطرفة كيفما كانت معتقداتها، كما هو شأن جماعة الشيخ ياسين .
إن أهم نتيجة افرزها الحراك السياسي والدستوري الذي يعرفه المغرب ،هو كشف حقيقة التيارات السياسية التي ظلت لعدة سنوات تتستر وراء شعارات سياسية أو دينية كواجهة للمطالبة بترسيخ الديمقراطية، والقضاء على الفساد ، ولما دخل المغرب في مرحلة الإصلاحات الدستورية، وبناء دولة المؤسسات بعد المصادقة على دستور يستجيب لمطالب الشعب، تمترس هؤلاء المكيافليون وراء الدعوة لمقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة بدعوى أنها لا تلبي طموحات المغاربة.
إن ما يجب قوله والاعتراف به ، هو أن هذه الإصلاحات الدستورية والسياسية والتي يجري تنزيلها على أرض الواقع، لا تسير وفق مخططاتهم وطموحاتهم السياسية، بل أكثر من ذلك أن هذه التيارات الغارقة في التطرف السياسي والديني ترى في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، وانخراط الأحزاب والنقابات العمالية وأرباب العمل والجمعيات الحقوقية في ورش ترسيخ دولة المؤسسات والحق والقانون، إقبارا والى الأبد إلى رؤية مشيخة ياسين وآمال مريديه.