لا شك أنه لكل حدث في الضفة الشمالية للمتوسط يكون له صدى في الضفة الجنوبية، وبالقرب فالمغرب يتأثر بسرعة بما يقع في دول مثل فرنسا وإسبانيا، نظرا للعلاقات المتميزة بين البلدين، حيث يرتبطان مع المغرب بشراكات اقتصادية حتما ستتأثر بالإرهاب بعد قرار الدول الأوروبية تشديد الإجراءات الأمنية. غير أن العملية الإرهابية التي هزت فرنسا تفرض على المغرب نقاشا جديدا لمعنى الإرهاب وتحدياته، ولما نقول المغرب لا نقصد فقط الأجهزة الأمنية، التي لا محالة تقوم بواجباتها على أحسن وجه، ولكن نقصد هذا المجموع من أمن وحكومة وأحزاب ومجتمع مدني. فالفعالية الأمنية، التي أبانت عنها الأجهزة المكلفة بمحاربة الإرهاب وخصوصا الديستي والمكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لها، لا تعفينا من ضرورة الإقرار بأن الخطر الإرهابي قائم بل ازدادت خطورته بعد الخناق الذي يشعر به الإرهابيون في سوريا والعراق نتيجة الضربات القاصمة التي تلقوها، وبالتالي فداعش وأخواتها سوف تبحث عن خيارات أخرى للبقاء. لم تعد داعش قادرة على الفعل في سوريا بعد الضربات الروسية المركزة، وكل عملها اليوم يرتكز على ردود فعل، أي هي في موقع دفاع، ومن ثم تبحث عن التنفيس وتنفيذ عمليات هجومية تكون فيها هي الفاعلة، وفي هذا السياق جاءت الضربات العنيفة بالضاحية الجنوبية ببيروت وباريس. ومن هنا لا بد من التوجس أكثر والحذر أكثر والضرب على صناعة الإرهاب مهما كانت. فالإرهاب لا ينتجه فقط الخطاب الديني المتطرف، الذي يبقى أساس التكفير والقتل، ولكن ينتجه أيضا الخطاب التحريضي والتيئيسي والتشكيك في مسارات العملية السياسية والديمقراطية، وهو خطاب ينتجه فاعلون متعددون بمن فيهم رئيس الحكومة وجماعته. لا ينبغي السكوت عن إنتاج هذا الخطاب الذي يستعمل كمواد في صناعة الإرهاب. لأن ما وقع في فرنسا هو نتيجة حتمية لخطاب تحريضي وهو نتيجة كذلك لتغاضي الأمن الفرنسي عن الإرهابيين، خصوصا وأن فرنسا كانت منخرطة في دعم الجماعات التكفيرية بسوريا تحت مسمى الجيش الحر والمعارضة المعتدلة، وتغاضي الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون، وغض الطرف عن بعض الأشخاص المسجلين في خانة الإرهاب، فأغلب الذين ارتكبوا الإرهاب في فرنسا معروفون لدى السلطات الأمنية التي تنتظر مرورهم للفعل، الذي يكون في الغالب ضخما. كل هذه القضايا تفرض على المغرب ليس الاستمرار في النهج الوقائي عبر الضربات الاستباقية ولكن ينبغي تعزيز هذا النهج وتقويته، وعدم الالتفات إلى الخطابات الشاكة والمشككة، والتعامل بصرامة مع العائدين من سوريا الذين تدربوا على الإرهاب، والتعاطي بمنطق مختلف مع الذين خرجوا بالعفو الملكي. فالترويج لخطاب المراجعات مليء بالمغالطات، لأن المحكوم بالإرهاب هو مجرم قضى فترة من محكوميته ومن حق الملك دستوريا أن يعفو عنه، لكن لا يعني ذلك أنه برئ أو راجع أفكاره. فالمراجعات تتم في الأفكار وهؤلاء لا فكر لهم سوى احتراف القتل باسم الدين. كما تفرض أحداث باريس على أوروبا أن تراجع نظرتها للآخر، ولا تعتبرنا دولا قاصرة، بل دول كاملة السيادة ولنا قرارات وقوانين. فلما حاكمنا علي أعراس المغربي البلجيكي شنوا علينا حربا إعلامية، واليوم تبين أن كل السلاح الذي ضرب فرنسا قادم من بلجيكا. واعتقلت أمريكا يونس الشقوري 14 سنة دون محاكمة ولما تخلصت منه أرسلته للمغرب، لكن استكثروا علينا محاكمته بعد التحقيق معه وكأننا دولة بدون سيادة ولا قوانين. فلا بد أن يفهم الغرب أن المجتمع المدني الذي يدافع عن الحريات دون ضوابط جزء من الأزمة، فلا يمكن الدفاع عن الحرية دون مراعاة خصوصيات المجتمعات وقوانينها فأهل مكة أدرى بشعابها.