فنان ملتزم في جبة زعيم كاريزمي ما بين تاريخ مولده بمنطقة القبايل في الخامس من مارس 1951، وتاريخ تحمله رئاسة حكومة القبايل في المنفى في الفاتح من يونيو 2010، عاش فرحات مهنى تقلبات السياسة الجزائرية بكل فصولها، وعانى محنا كثيرة أثرت في مساره السياسي، ليس أقلها قسوة السجن والمنفى والاحتقار. فحسمت جميع تلك المؤثرات خياره واضحا ولا رجعة لديه: استقلال القبايل.
لقد امتلك هذا القبايلي، المتحدر من مجاهد شارك في حرب التحرير، وعيا سياسيا مبكرا بالتزامن مع تفجر الحس الفني فيه. وكانت بدايات تعبيره عن انتمائه الأمازيغي، إلى جانب رفيق دربه الدكتور سعيد سعدي منذ مطلع السبعينيات، عندما أسسا مجلة تفتيلت (شعلة)، ثم إثري (نجمة)، سعيا من خلالهما إلى بلورة مطالب ثقافية. وخلال الفترة نفسها دشن مهني مساره الفني، من خلال مشاركته في مهرجان للأغنية الجزائرية في ربيع 1973، مع فرقته التي حملت اسم إيمازيغن (الأمازيغ). ثم سريعا وجد الشاب الأمازيغي القادم من إحدى قرى القبايل المهمشة نفسه منخرطا في معمعان النقاش حول الهوية في 1976، ومعبرا عن انتمائه الأمازيغي في كل الملتقيات. وخلال الفترة نفسها بدأت مماحكاته مع الأمن العسكري، ليجد نفسه عندما انفجر الربيع الأمازيغي في 1980، من أبرز صناعه، فتعرض للاعتقال إلى جانب آخرين وهو العضو في «لجنة أبناء الشهداء». وبعد إطلاق سراحه، سحب منه جواز سفره وأصبح موضوع مضايقات ومراقبة أمنية لصيقة.
وفي منتصف الثمانينيات، كان مهني من مؤسسي العصبة الجزائرية لحقوق الإنسان فانتخب عضوا بارزا في جهازها الإداري، وتعرض بسبب ذلك للاعتقال وأدين بثلاث سنوات سجنا. وبعد خروجه من السجن بعفو رئاسي في أعقاب عامين قضاهما خلف القضبان، أسس رفقة سعيد سعدي حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وأصبح مهني واحدا من أشهر قيادييه. لكنهما اختلفا فغادر هذا الأخير الحزب، ليجد نفسه في خريف 1994 في قيادة حملة المقاطعة المدرسية التي أطلقتها الحركة الثقافية الأمازيغية، وكان من أبرز نتائجها أن خلق النظام الجزائري لجنة عليا للأمازيغية.
بيد أن سخرية القدر جعلته يتواجد بالصدفة في الطائرة الفرنسية التي خطفتها مجموعة تابعة للجماعة الإسلامية المسلحة في العام نفسه، فخرج من المحنة مصدوما، لكنه استعاد حياته الفنية فأصدر ألبومين غنائيين في باريس. ثم سريعا عاد إلى السياسة، عندما اتصل به جنرالات النظام لطلب وساطته من أجل وقف مقاطعة الدراسة التي أعقبت اختطاف المغني القبايلي لونيس معتوب. وبعدما فرض عليهم بعض الإجراءات لفائدة الاعتراف بالأمازيغية في الجزائر، دعا فرحات مهنى القبايليين على التلفزيون الرسمي إلى وضع حد لـ»حرب المحفظات». لكن في 2001، وفي أعقاب الأحداث الدامية التي انفجرت في القبايل (الربيع الأسود)، دعا فرحات مهني إلى إقرار حكم ذاتي جهوي. وفي هذا الاتجاه أسس «الحركة من أجل تقرير مصير القبايل» بجماعة مكودة (في القبايل). وفي 2004، تعرض ابنه أمزيان لاغتيال غامض في باريس، لم تكشف ملابساته أبدا. وفي صيف 2010، شكل في باريس حكومة القبايل المؤقتة من تسعة وزراء.
ورغم مسلسل الأحداث المتقلب هذا وفي خضمه، ألف فرحات مهنى كتبا وأغاني حمّلها مشاعره وأحلامه بأن يرى القبايل التي أنجبته حرة مستقلة. إن المسار الكفاحي الطويل لفرحات مهنى يشهد له بأنه ليس طارئا ولا حديث عهد بالحديث عن القضية القبايلية. واليوم وهو في بداية شيخوخته، ما يزال يحمل صدق الفنان الملتزم الذي ارتدى اضطرارا جبة المناضل السياسي. يثير الكثير من الجدل في كل مواقفه وقراراته «لأن لسانه ليس من خشب»، ويعبر عن السياسة بلغة هي أقرب إلى الشعر. ثم يسبغ على حديثه مسحة من التفاؤل، من خلال ابتسامته الشهيرة. بالنسبة إلى مناهضيه داخل الجزائر، ليس فرحات مهنى أكثر من عميل يعمل لفائدة «المخزن» المغربي، تتلاعب به كل من إسرائيل التي «تخطط لتقسيم الجزائر»، وفرنسا. لكنه بالنسبة لشعب القبايل يعد أحد الرموز الحية للنضال من أجل الحرية.