حادثتان عابرتان… لكنهما تستحقان أن نتوقف عندهما قليلا. فتاة تسجل فيديو جنسي لتبعثه لعشيقها الخليجي المزيف. الأخير، الذي يبدو حسب المعطيات المتوفرة لحد الآن، أنه شاب من نفس حيّها، نشر الفيديو على الواتساب والأنترنيت. باسم الدين وباسم الأخلاق، هاجم الكثيرون الفتاة باعتبارها منحلة فاسدة. تسجيل فيديو جنسي ليس بالإنجاز العظيم. يمكن فعلا أن نلوم الفتاة لاعتبارات كثيرة. لكن، باسم نفس الأخلاق وباسم نفس قيم التدين، لماذا نساهم في نشر فضيحتها؟ لماذا لا يتحدث أحد عن عشيقها الذي طلب منها الفيديو بمقابل مادي، والذي سرّبه بعد ذلك؟ هل معايير الأخلاق والتدين لا تنطبق عليه؟ أليس مخطئا بدوره؟ ثم، من شاهدوا الفيديو ونشروه، أليسوا بدورهم مخطئين، اعتمادا على نفس معايير الأخلاق؟
الحادثة الثانية تتعلق بالممثلة لبنى أبيدار. ليس مهما أن تعجبنا لبنى أو أن يعجبنا فيلم “الزين اللي فيك”. الموضوع مختلف الآن. لبنى تعرضت لعنف جسدي وإصابات. فعلا، علينا أن نتحفظ قليلا بخصوص روايتها وأن نأخذ بعين الاعتبار بلاغ ولاية أمن الدار البيضاء الذي يُنَسِّب ما حدث. لبنى أبيدار نفسها، في خرجة إعلامية مساء الجمعة، اعتذرت عن تسرعها وصرحت بأن المصحة الأولى رفضت استقبالها لكن المصحة الثانية استقبلتها ووفرت لها العناية اللازمة. يمكننا إذن أن نصنف الفيديو الأول في خانة الغضب أو الهشاشة النفسية المفهومة في حالة كهذه. في نفس الوقت، فتهديد لبنى أبيدار بطلب اللجوء السياسي إذا لم يستقبلها الملك محمد السادس أو رئيس الحكومة في ظرف 24 ساعة هو نوع من “التخربيق”. ملك البلاد ورئيس حكومتها يفترض أنهما فوق هذه المزايدات وهذا الابتزاز الغبي. بعبارة أخرى، ماشي مساليين ليك.
لكن ما يدعو للتوقف في قضية لبنى أبيدار هو ما قرأناه على المواقع الاجتماعية إثر انتشار خبر الاعتداء. قد لا يكون رفض الشرطة والمصحات استقبالَها خبرا صحيحا، لكن يبدو أن العشرات وربما المئات كانوا سيسعدون لذلك. على المواقع الاجتماعية ومواقع الجرائد الالكترونية التي نقلت الخبر، ثمّن المعلقون الموقف وصفقوا وهللوا له. “تستاهل”، “سرّها”، وغيرها من عبارات الشماتة والتحريض.
كل هذا طبعا لأن “لبنى أبيدار أساءت لسمعة المغاربة”. العنف واللاأمن لا يسيئان لسمعتنا. محاربة الحرية في الإبداع لا تسيء لسمعتنا. المنع لا يسيء لسمعتنا. ثم، باسم نفس القيم، هل الشخص الذي عنفها جسديا، لا يستحق اللوم؟ هل يصبح بطلا لمجرد أن ضحيته لا تعجبنا؟ كيف نخبئ في أعماقنا كل هذا الكم من العنف؟
حدث كل هذا في “أسبوع الوطنية”. خلال أسبوع، امتلأ الفايسبوك بصور الأعلام المغربية. هذا في المطلق ليس بالشيء السلبي. لكن، هل تستقيم الوطنية ونحن نصفق للعنف ضد من نختلف معهم في الرأي؟ هل تستقيم الوطنية ونحن نحرض على هذا العنف ونفرح له ونشجع عليه؟ هل تستقيم الوطنية ونحن نعبر عن انتقائيتنا في الأخلاق؟
في نفس الوقت. فالكثيرون بيننا يرفعون شعارات الدين والتدين، أحيانا في غير محلها. فهل باسم الدين نعنف من نعتبره مخالفا لقيمنا الدينية؟ هل باسم الدين نساهم في نشر ما نعتبره فضائحيا ونحاسب طرفا دون الآخر؟
هي ليست قضية لبنى أبيدار كشخص، ولا قضية فتاة سجلت فيديو جنسي كانت مخطئة في تسجيله لاعتبارات كثيرة. مئات المغربيات والمغاربة يتعرضون للعنف يوميا في شوارع مملكتنا. عشرات الفتيات والشبان لا يعون بأخطار الأنترينت. هو أولا سؤال التعايش داخل هذا البلد.
بلد يزايد فيه الكثيرون باسم الدين حد التكفير أحيانا. بلد يزايد فيه الكثيرون باسم الوطنية حد التخوين أحيانا. بلد يزايد فيه الكل على الكل في كل شيء. في الدين والأخلاق وحب الوطن.
لكننا خارج الشعارات… في “وقت المعقول” نجد أنفسنا أمام سلوكيات لا علاقة لها لا بالوطنية ولا بالتدين. سلوكيات تدعو للعنف وتفرح شامتة في المعنَّف حين تختلف معه في الرأي. سلوكيات تفضح من تعتبره ارتكب فعلا مشينا. طبعا. فالوطنية والتدين تقتصران على “جمعة مباركة”. على بعض آيات قرآنية وبعض أغانٍ وطنية نرددها. ليس مهما أن تظهر تلك الشعارات في حياتنا وسلوكياتنا اليومية. ليس مهما بتاتا.
سناء العاجي