خاطب سكان تندوف واستفسر الجزائر ونبه المستهدفين للاقتصاد المغربي.
استمد الخطاب الملكي في الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء قوته من الحزم والصراحة التي تحدث بهما جلالة الملك.
قوة وحزم.
لأول مرة خاطب الملك محمد السادس سكان تندوف الذين تبيع له جبهة البوليساريو الوهم قائلا: «هل أنتم راضون على الأوضاع المأساوية التي تعيشونها؟»، مشيرا إلى أن ساكنة تندوف بالجزائر تقاسي من الفقر واليأس والحرمان، ومذكرا أن مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه، بعد أن أعطى الكثير من الأشياء على رأسها أرواح أبنائه دفاعا عن الصحراء. وأشار جلالته إلى أن أبناء الصحراء الحقيقيين ظلوا أوفياء لروابط البيعة وهم معروفون بعزة نفسهم ويعيشون من جهدهم وبكرامة ولا ينتظرون المساعدة من أحد، «أما الذين ينساقون وراء أطروحات الأعداء ويروجون لها رغم قلتهم فليس لهم مكان بيننا. ومن تاب ورجع إلى الصواب فإن الوطن غفور رحيم» يقول جلالته.
كما وجه خطابه أيضا إلى الجزائر متسائلا: لماذا لم تقم الجزائر بأي شيء لسكان تندوف الذين لا يتجاوز عددهم 40 ألف نسمة على أقصى تقدير؟، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي تعاني فيه ساكنة تندوف من الخرق المنهجي لحقوقها الأساسية يعيش زعماء الانفصال في ظل غنى فاحش ويتوفرون على أرصدة في الخارج، ثم يطرح السؤال أين ذهبت ملايين الأورو التي تقدم كمساعدات إنسانية؟
مقابل ذلك أكد جلالة الملك على أن المغرب لا يرفع الشعارات الفارغة ولا يبيع الأوهام كما يفعل الآخرون، بل التزم بالديموقراطية وأوفى والتزم بنموذج تنموي خاص في أقاليمه الجنوبية وكذلك فعل، ثم التزم بضمان الأمن والاستقرار وهاهي الصحراء أكثر المناطق استقرارا.
جلالة الملك نبه إلى أن المغرب يستصدى بصرامة وحزم لكل الحملات الدعائية التي تستهدفه وتستهدف بالخصوص منتوجاته الاقتصادية، في إشارة إلى بعض المنظمات والدول التي تعلن مقاطعتها لمنتجات الأقاليم الجنوبية، وخاطبهم قائلا «الذين يريدون مقاطعة المنتوجات المغربية فليفعلوا ذلك، رغم أنه تعامل مخالف للقانون. وعليهم أن يتحملوا مسؤولية قراراتهم». وبنفس الصرامة والحزم أكد جلالة الملك أن المغرب سيواجه الحملات التي تمارس التشكيك في ممارسته سلطاته على أرضه في أقاليمه الجنوبية كما في الشمال.
أوراش كبرى.
وموازاة مع خطاب القوة هذا، قدم الملك محمد السادس في خطابه عرضا لأهم المشاريع الاقتصادية التي من المنتظر أن تغير وجه الأقاليم الجنوبية وتزيد من سرعتها التنموية وتقلص الفوارق بين فئاتها الاجتماعية، متعهدا بالقطع مع اقتصاد الريع والامتيازات ومع التمركز الإداري وذلك من خلال تفعيل النموذج التنموي وتطبيق الجهوية المتقدمة.
وكان الخطاب بمثابة إعلان عن انطلاق مرحلة الأوراش الكبرى بعد بلوغ مرحلة النضج، وهي أوراش لا تقتصر فقط على تنمية الأقاليم الجنوبية بل سيتم إنجازها في بعدها الإفريقي لتكون الصحراء بذلك مركزا للتواصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.
ومن أهم المشاريع التي تعرض الخطاب الملكي: تقوية الشبكة الطرقية والنهوض بالمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية، ثم إقامة محور للنقل الجوي بالأقاليم الجنوبية نحو إفريقيا، واستكمال الخط السككي بين مراكش والكويرة ليتحقق بذلك حلم بناء خط السكة الحديدة من طنجة إلى الكويرة وربط المغرب بإفريقيا. ولتقوية البنيات التحتية البحرية تحدث جلالة الملك على بناء الميناء الأطلسي الكبير للداخلة. كما أكد على مواصلة استثمارا عائدات الثروات الطبيعية لفائدة سكان المنطقة وإشراكهم في هذا المشروع التنموي الكبير.
تطبيق الجهوية المتقدمة.
وحتى تكتمل حلقة التنمية فإنه لامناص من الشروع في تطبيق الجهوية المتقدمة دعما للشرعية الديموقراطية التي أصبح من خلالها المنتخبون ممثلون حقيقيون لسكان الأقاليم الجنوبية. ومن هنا تأتي دعوة جلالته الحكومة «للإسراع بتفعيل المقتضيات القانونية بنقل الاختصاصات من المركز لهذه الجهات ودعمها بتحويل الكفاءات البشرية والموارد المادية اللازمة في أفق تعميم هذه التجربة على باقي جهات المملكة».
وفي هذا الصدد لم يفت جلالة الملك أن يشير في أكثر من مناسبة في خطابه إلى أن المغرب لا يفرق بين جهاته في الشمال كما في الجنوب، ومن شأن الإسراع ببلورة ميثاق حقيقي لعدم التمركز الإداري أن يعطي للمصالح الجهوية الصلاحيات الضرورية لتدبير شؤون الجهات على المستوى المحلي.
ومن هنا يتضح أن المغرب قدم التزامات وأوفى بها، وهي التزامات تطبيق الجهوية المتقدمة والنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الشمالية وجعل الصحراء أكثر منطقة أمنا واستقرارا في جهة الساحل والصحراء.
محمد أبويهدة.