الملك محمد السادس الذي وضع في خطه الديبلوماسي في السنوات الأخيرة العزوف عن حضور القمم خلق المفاجأة بحضوره لقمة الهند-إفريقيا المنعقدة بنيودلهي الآن، وقد كانت لهذا أسباب غاية في الحساسية، منها بطبيعة الحال المصالح الاقتصادية الكبرى للمغرب، بحيث إن الهند هي أول مستورد للثروة المغربية الأولى، وهي الفوسفاط.
إلا أن هذا العنصر الهام لا يفسر وحده هذا الوجود الشخصي للملك بالقمة، بحيث إن العاهل المغربي عزف عن حضور قمتين سابقتين للهند وإفريقيا انعقدتا على التوالي في 2008 و2011، لسبب بسيط ومنطقي، وهو أن القمتين كانتا بين الهند والاتحاد الإفريقي وليس بين الهند وإفريقيا، ومعلوم أن المغرب ليس عضوا بالاتحاد الإفريقي منذ أن كان يسمى منظمة الوحدة الإفريقية بسبب قبول الجمهورية الصحراوية ضمنه.
في هذه القمة، وجهت الهند الدعوة للدول الإفريقية واحدة واحدة وليس للاتحاد الإفريقي، ولما كانت نيودلهي قد سحبت اعترافها بالبوليساريو سنة 2000، فإنها دعت المغرب واستثنت البوليساريو مادامت الجمهورية الصحراوية ليست دولة بالمفهوم القانوني والواقعي. وفي مفاجأة للجميع مرة أخرى، وعلى عكس القمم السابقة، استجاب لدعوة الوزير الأول الهندي ناريندرا مودي أكثر من أربعين رئيس دولة وحكومة، وكان بذلك هذا هو أضخم تجمع إفريقي خارج إفريقيا.
ولهذا يمكن فهم سفر الملك إلى الهند منذ يوم الأحد الماضي، ووقوفه صباح اليوم الخميس إلى جانب رؤساء العديد من الدول التي تخالف وجهة النظر المغربية وتقف مع الأطروحة الجزائرية، وهذا اختراق غير مسبوق لهرم الدولة المغربية لدى نظرائه الأفارقة من خارج حلفاء المغرب في إفريقيا الغربية.
الجزائر عبرت عن تبرمها من هذه المبارزة التي كسبها الملك محمد السادس بفارق شاسع، وخفضت تمثيليتها في القمة إلى أدنى مستوى، بحيث لم يمثلها سوى الوزير المكلف بالمغرب العربي والاتحاد الإفريقي عبد القادر مساهل، بل للمزيد من تسجيل الأهداف المغربية المشروعة، عمد الملك محمد السادس إلى إلقاء خطاب ناري هجومي هذا الصباح في افتتاح القمة، وكلماته غنية عن كل تعليق:
«وإذ نعبر عن تقديرنا للموقف البناء لجمهورية الهند من قضية الصحراء المغربية، ودعمها للمسار الأممي لحل هذا النزاع المفتعل، فإننا نتأسف لكون بعض الدول لم تستطع التطور، بحيث مازالت تردد خطابات وأطروحات متجاوزة، مر عليها أكثر من 40 سنة».
هي إذن عملية ملكية دقيقة وناجحة في ملف حساس، وقد تكون بداية رحلة لاختراق الكثير من الدول الإفريقية، التي لا يطلب منها المغرب إلا مساندة المسلسل الأممي لحل قضية الصحراء، وشراكة اقتصادية تنموية خلاقة ومبدعة.