لا شك أن كل من سمع دعوات البعض في ضرورة تطبيق نظام المناصفة في الإرث بين الرجل والمرأة، قد فهم بأن الصراع قد بلغ تحديا غير مسبوق لثوابت المغربي و للآيات القرآنية الواضحة الدلالة،ومن بينها قوله تعالى في سورة النساء " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ".
وقد كان باديا على المجتمع المغربي كما كل مرة، أقسى مظاهر الإمتعاض والغضب، والصدمة، من هذا الإستفزاز المفتعل من طرف منظمات تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وممثلي هيئات رسمية وأحزاب سياسية تدور في فلكها، لأن الأمر قد أصبح يمس بصفة مباشرة القيم والمبادئ التي تأسست عليها الدولة المغربية منذ عهود خلت.
ومن المثير أن مثل هذه الدعوات والمواضيع الهجينة، تجد منابر إعلامية وطنية تتفنن في إثارتها والترويج لها، بدل التركيز على ما يهم المغاربة في معيشتهم وتقدمهم، وهي نقاشات مفتعلة تطورت مع الأيام، حتى سقط القناع عن دعاتها، وأصبحوا يلعبون بوجوه مكشوفة لعبة الإستعمار الجديد، الذي يسعى بكل الوسائل إلى تهديم كل القيم ابتداء من الدين والثقافة والهوية، وانتهاء بالوصول إلى تحطيم مؤسسة إمارة المؤمنين ومفهوم البيعة، ثم إسقاط الملكية أو تقزيم دورها المحوري في المجتمع المغربي، لتنهار بعد ذلك سيادة الدولة، كما انهارت السيادة في مصر وليبيا وسوريا واليمن، واللائحة طويلة لا تستثني أحدا من المحيط إلى الخليج.
وهكذا فإذا كان المشروع الإستعماري الغربي في الدول العربية المشرقية قد اعتمد بالأساس على التطرف الديني والإرهابي، كعامل أساسي في تهديم سيادتها، فإن الإستثناء المغربي قد دفعه إلى الإعتماد على تيار التطرف الحداثي، والإستثمار في مواضيعه المستفزة لإثارة ذلك الصراع الديني، الهادف إلى إغراق الدولة في العنف والعنف المضاد، وقد كانت بداية هذه الحملة محتشمة في إثارة مواضيع إدماج المرأة في التنمية، وحقوق المرأة والطفل والحرية بكل أبعادها، لينتقل الحديث بكل وقاحة إلى الدفاع عن الحرية الجنسية وحرية تغيير المعتقد الديني، والدفاع عن حقوق الشواذ، إلى أن وصلنا إلى موضوع المساواة في الإرث، في مسلسل مستمر في إثارة هذه المواضيع التي تهدف بالأساس إلى تهديم المرجعية الدينية والأخلاقية للمجتمع المغربي، وجعل إمارة المؤمنين في خضم هذه النقاشات بهدف إسقاطها في فخ مواجهة قيم المجتمع المغربي، وبالتالي الوصول إلى الحلقة الأخيرة من المسلسل وهي إثارة موضوع نزع صفة إمارة المؤمنين وحامي حمى الملة والدين عن المؤسسة الملكية، ومن ثم الفوضى وانهيار جميع المؤسسات التي تحمي سيادة الأمة المغربية، وفتح الباب واسعا أمام الإرهاب والتطرف تمهيدا لدخول المستعمر الذي سيتكفل بإعادة بناء المؤسسات حسب مصالحه الإستعمارية كما هو الحال في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها .
وعليه فإذا كنت متفائلا من أن إمارة المؤمنين وبعض القوى الوطنية الصادقة تعلم علم اليقين مدى خطورة هذه المخططات التي انخرطت فيها منظمات حقوقية مزورة، وأحزاب سياسية، ومنابر إعلامية، ورؤساء هيئات ومؤسسات وطنية، بدعم وحماية قوى أجنبية، فإن الوقت قد أصبح يفرض ضرورة قيام حركة وطنية جديدة تعمل على المواجهة الحضارية لهذا المخطط الإستعماري الجديد، عن طريق التوعية بضرورة نبذ العنف والتطرف، والتشبث بالديموقراطية كخيار أساسي واعتبار صندوق الإقتراع هو الحكم في دعم المدافعين عن الهوية المغربية الأصيلة، ومعاقبة كل دعاة الفوضى والتحرر من قيم المجتمع الراسخة.
إسحاق شارية.