في الحج هذه السنة كانوا مئات من القتلى بلغوا الألفين ونيف، ولازال الحساب غير مكتمل بكل حزن الكون. في الأقصى يقتلون بعضهم البعض لكي يفوزوا بالحق في الصلاة لوحدهم في المكان.
المسلمون يعتبرون المسجد ملكا لهم وحدهم، واليهود يعتبرون الهيكل معبدهم لوحدهم، والمسيحيون بينهم في الوسط يستحون أن يقولوا إنهم يعتبرون الكنيسة التي شهدت ميلاد المسيح وكل الأمكنة المحيطة بها مكان ابتهالهم إلى الرب لوحدهم.
كيف يصل المقدس الذي هو في الأصل رحمة إلى العالمين، وهدية سماوية من أجل راحة الناس الداخلية إلى أداة قتل وإبادة لنفس الناس؟
لامفر من طرح السؤال، لأن مايقع يمس هاته الديانات في مقتل ويقدم عنها أبشع الصور إلى الآخرين.
خذ لك ماوقع في الحج، وقد مر وقت لابأس به يسمح لنا بأن نناقش الأمر بعيدا عن العاطفة والتجييش واتهام السلطات السعودية بأنها المسؤولة عن قتل كل ذلك العدد العديد من الناس.
الحقيقة التي يعرفها الخاص والعام، سواء من خلال الزيارة المباشرة، أو من خلال الحكي الذي يعود به الذاهبون إلى مشاعرنا المقدسة، هو أن عددا كبيرا من الحجاج هداهم الله، يعتبرون الحج معركة لاينبغي أن يعودوا منها إلا بأكبر قدر من الأجر والحسنات، وإن اضطرهم الأمر إلى التدافع الشديد مع الأقل قوة منهم، وإلى الدوس على بعضهم البعض.
ويحكي عدد كبير من الذاهبين إلى المشاعر المقدسة أن الأمر يتحول في عديد اللحظات إلى وصلات عذاب حقيقية خصوصا بالنسبة للمسنين والنساء وصغار السن الذين يجدون أنفسهم يتساءلون “ما الذي نفعله هنا؟”.
الدين لا يأمر بهذا، بل الدين الحق ينهى عن مثل هذا، ويأمر بمساعدة الضعيف والأخذ بيده، وإكرام المرأة وتوقير المسن والسير سير الضعفاء. لكن الجهل بالدين، والتمسك فقط بقشوره من السبحة إلى السجادة فالعباءة وطابع الصلاة فوق الجبهة، يفرغ الدين من كل محتوياته في الغالب دون تعميم، ويجعله مجرد وسيلة للتباهي بين الناس بلقب الحاج الذي فقد تلك الهالة الروحية التي كانت له في السابق من الأعوام يوم كانت الفريضة طقسا روحيا حقا ولم تكن مجرد سياحة تباع في وكالات الأسفار وفق ما تتوفر عليه من مال، وتتيح للأغنياء أشياء لا تتاح للفقراء، وتقسم المسلمين الذاهبين إلى ذلك المكان في لحظة هي لحظة توحيد لهم، أي تحقق تماما العكس من المراد منها.
أما الأقصى، وهو ثالث الحرمين لدى المسلمين ومكان العبادة الأول عند اليهود، ومكان العودة الأكثر قدسية لدى المسيحيين، ففي الأصل من الأشياء كان كوة ضوء فتحت من السماء إلى هاته الأرض الحزينة، أهدت للدنيا كلها راحة البال واقترحت لقاء كل الديانات من أجل مافيه سعادة معتنقيها قبل أن يتحول بسبب السياسة اللعينة إلى البؤرة الأكثر توترا في العالم التي تصدر إلى كل أركان الدنيا حربا لا يرى أحد منا نهايتها، بل لانرى لها إلا البداية تلو البداية، والتأليب تلو التأليب، والنتيجة هي هاته الوديان من الدماء التي سالت منذ القديم، والتي تسيل اليوم، والتي ستسيل على مايبدو في اللاحق من الأعوام والعقود والقرون، دونما أمل في أن يستعيد هذا الكائن الغبي المسمى إنسانا بعضا من هدوئه، ويقلل من روعه ويطرح على نفسه السؤال المزعج لكن الضروري: هل المقدس أتانا لكي يحيينا ويمنحنا السعادة؟ أم تراه نزل على الرؤوس لكي يقتلنا جميعا ويفرض علينا كل هذا الشقاء؟
لاجواب لدي، لكن لي هاته القدرة وأنا المؤمن بمقدسي الفردي دون أن أفرضه على الآخرين – لأنه فردي ويخصني في علاقتي مع خالقي – القدرة على طرح السؤال، وإن بدا للكثيرين غير لائق.
أصلا المقدس الحقيقي فرض علينا التأمل والتساؤل وأحب فينا العاقل وكره بكل عمق المحبة فيه الجاهل ذا حمية الفراغ.
ملحوظة لها بعض العلاقة بماسبق
رنين خطاب بنكيران أمام مستشاري ونواب حزبه، كان ذا وقع خاص. ربما نخطئ القراءة، لكن في ثنايا « أقدم فداك النفس لا تتردد »، وهي نشيد إسلامي لطالما صدح به الصادحون أيام الرغبة في الحماس بالإضافة إلى «العشبة» و «البانضي» و الكثير مما قيل دليل على أن الحملة الانتخابية لسنة 2016 انطلقت عند عبد الإله قبل الآخرين بكثير.
« الله يكمل بخير »، هذا مايمكن أن نقوله في هاته الأثناء..
المختار لغزيوي.