قال موحى الناحي، رئيس مركز جنوب شمال لحوار الثقافات والدراسات حول الهجرة في المغرب، إنه خلال الأشهر القليلة الماضية، برزت ظاهرة جديدة في شمال إفريقيا، تتمثل في تراجع إلى حد كبير عدد المجندين الجهاديين لصالح تنظيم الدولة الإسلامية، أو ما يعرف بـ"داعش" الإرهابي، وخاصة في المغرب، نتيجة لتنفيذ تدابير أمنية مشددة، وللقضاء على هذا التهديد الإرهابي تماماً، ينبغي القيام بالمزيد من العمل، حسب تعبيره.
وأوضح الخبير المغربي، في مقال بعنوان " من الإرهاب إلى مكافحته في شمال أفريقيا"، على صحيفة "البيان" الإماراتية، مساء الاثنين، أن هذا التراجع جاء بعد ارتفاع مقلق في تجنيد الإرهابيين من قبل "داعش" في المنطقة، مشيرا إلى أن العامل الاقتصادي يعد من الدوافع الأساسية للالتحاق بهذا التنظيم المتطرف، حيث يتقاضى العنصر العادي نحو 1400 دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير بالنسبة للشباب العاطل والمنحدر من أسر معوزة، أو بالنسبة لمن يقومون في بلدهم بوظائف متواضعة الدخل الشهري، يعادل 150 دولاراً تقريباً.
وأضاف أنه وبالنظر إلى أن المستوى التعليمي للأغلبية الساحقة من المتطرفين، لا يتجاوز المرحلة الابتدائية، حيث إن 10 % فقط منهم يحملون شهادة جامعية، فإن فرص الشغل والتقدم الاقتصادي في بلدهم تبدو محدودة. بالطبع، هناك أيضاً عوامل شخصية، ورغم ذلك، يبدو أن الدين يأتي في المرتبة الثانية بعد دافع المغامرة والشجاعة في المعركة.
وتابع قائلا "سواء من أجل "البطولة" أو لكسب المال، فإن 30 مغربياً في المتوسط، ينضمون لـ"داعش" كل شهر، منذ بدء الحرب الأهلية السورية. ولكن الآن تراجع هذا المعدل بدرجة كبيرة. فوفقاً لمرصد الشمال لحقوق الإنسان المغربي، سافر فقط 16 من المتطرفين المغاربة إلى سوريا والعراق في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
واعتبر أن هذا الانخفاض يعزى إلى عدة عوامل. بالنسبة للمبتدئين، فقد تقلص تجنيد المتطرفين المحتملين، وتنظيم "داعش" تراجع إلى حد كبير. ومن المرجح ألا ينمو، لأن التنظيم الإرهابي أصبح ظاهرة مغلوطة. فالحياة في معسكرات الجهاديين ليست فقط أقل متعة بكثير من الصورة التي تظهر في العلن، ولكن بات من الواضح أيضاً، أن الخلافة التي نصبت نفسها، ركزت على عمليات القتل الجماعي وقطع الرؤوس، وغيرها من الأعمال الوحشية، لا علاقة لها بالإسلام. فسكان شمال إفريقيا والسكان المحليين في سوريا والعراق، يكرهون المتطرفين الأجانب، الذين يعتبرونهم مرتزقة يسعون للسلطة وجمع الثروة، بدل الدفاع الحقيقي عن الإسلام.
وأكد أنه علاوة على ذلك، قامت الدولة المغربية بجهد استثنائي لمنع خروج المجندين الجدد إلى العراق وسوريا، وتجنب الهجمات الإرهابية في الداخل. في الوقت نفسه، أصبح المتطرفون على علم بما سينتظرهم إذا عادوا إلى المغرب: السجن لمدة تصل إلى 15 عاماً، بالإضافة إلى استجوابات الشرطة القاسية وظروف الاعتقال العصيبة.
وذكر أستاذ النوع الاجتماعي والدراسات الثقافية بجامعة فاس، في هذا الصدد أن هذا الانخفاض في تجنيد الإرهابيين، لا يعني أن الوقت قد حان لتخفيف تدابير مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أنه لكسب الوقت، سيتراجع الإرهابيون غالباً لتجديد ترسانتهم وتطوير أساليب جديدة لجذب وتدريب مقاتلين جدد. وفي الواقع، كما أكد ذلك تقرير الأمم المتحدة، لا يزال "داعش" يحتفظ بمهارة عالية في استخدام الشبكات الاجتماعية لجذب وتدريب الشباب من جميع أنحاء المنطقة. وهناك خطر جدي لاحتمال وقوع هجمات إرهابية في الداخل، خصوصاً أن هجمات "الذئاب المنفردة"، أصبحت أكثر انتشاراً، مثل مقتل 38 سائحاً في تونس في يونيو، ومحاولة هجوم على متن قطار تاليس المتجه إلى باريس في غشت.
وأعرب عن اعتقاده أنه لهذه الأسباب، انخرط المغرب في استراتيجية استباقية متعددة الأوجه لوقف الإرهابيين قبل شن الهجمات، حيث تتضمن مراقبة المجال الديني، إصلاح قانون العقوبات، محاربة الإقصاء الاجتماعي من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقتها الحكومة في عام 2005، وانتشار الأجهزة الأمنية المعززة «حذر»، وقد أثبتت هذه الاستراتيجية حتى الآن فعاليتها. في مقابلة أجريت مؤخراً، كشف وزير الداخلية المغربي السيد محمد حصاد، أن الشرطة فككت 27 خلية إرهابية في سنتي 2013 و2014، وثمانية خلايا في الأشهر الخمسة الأولى من بداية هذا العام، أي مجموع يفوق 200 حالة اعتقال.
وأشار إلى أن المغرب لا يعمل بمفرده، باعتبار أن الإرهاب مشكلة دولية، بل يقوم بتنسيق جهوده لمكافحة الإرهاب مع حلفائه، وخاصة إسبانيا وفرنسا. فبتعاون مع قوات الأمن الإسبانية، تمكنت مؤخراً وكالة المخابرات المغربية، من اكتشاف وتفكيك شبكتين إرهابيتين من تسعة أعضاء، والتي كانت تجند بنشاط وترسل شباب مغاربة للقتال في صفوف "داعش".