هناك مشكل حقيقي في هاته الحكومة، يطل برأسه علينا المرة بعد الأخرى، ثم يختفي، ثم يعاود الظهور، مثل ثعلب زفزاف الشهير.
هذا المشكل يسمى الثقة، أو للتدقيق أكثر، يسمى انعدام الثقة.
منذ اللحظة الأولى التي تم فيها اختيار الطاقم المشتغل مع بنكيران لقيادة حكومتنا والكل يقول في الكواليس هذا الكلام. وحتى لحظة الاحتقان التي انتهت بين أخنوش وبين رئيس الحكومة، بقي الكل يقول نفس الكلام. وطبعا ستهدأ الأمور قليلا قبل أن يعيدها حادث مشابه أخطر أو أقل خطورة إلى الواجهة من جديد.
ما الذي يجري بالتحديد؟
لنجرب في الوقت الذي يتحدث الكل همسا أن نتحدث نحن بطريقتنا، أن نقولها مثلما هي لأن المغاربة يريدون من يخاطبهم بالصراحة، لا بالرموز وتبادل الرسائل على حساب صورة هذا البلد الأمين الذي لايستحق بعض سياسييه حقا ولا بعض الدائرين في فلكهم أيضا.
الذي يقع هو التالي: لاشيء.
بنكيران وصحبه يشعرون دوما أن مؤامرة كبرى تستهدفهم من الداخل، وتريد إفشالهم، وهي المؤامرة التي عبر عنها بن كيران بالقول الصريح والواضح ومنذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية بعبارة “التماسيح والعفاريت”.
والآخرون، من غير المحسوبين على بنكيران يقولون إن الرجل ووزراءه يتعلمون فقط السياسة، ويتدربون مع تعلمها على تدبير شؤون الناس، ويتورطون في أخطاء بدائية، تصل حد الوصف القاسي ب”المغفل” مع ربطها بإن الشرطية، مع أن العبارة مرت ورددها الناس فيما بينهم مستغربين.
طيب، هل يمكن لعقليتين لاتثقان في بعضيهما بهاته الطريقة أن تسيرا حكومة، وأن تسيرا بها إلى النجاح في مهامها؟
لا أحد يتصور ذلك. وحتى حين طرح السؤال بطريقة مباشرة: هل نجحت هاته الحكومة فيما أنشأت لأجله، يأتي الرد قاسيا وباردا وجافا: هاته الحكومة نجحت في شيء واحد أساسي هو إدخال العدالة والتنمية إلى المعترك السياسي من باب آخر، بعد رياح ربيع 2011 العاصفة، ومكنت المغرب من تقديم صورة جيدة عن نفسه أنه لا يخشى إقحام الإسلاميين في اللعبة السياسية. أما الأداء الحكومي ونتائج هذا الأداء على المواطنين في كل المجالات فأمر فيه نظر كبير للغاية.
الكارثة هي أن الشق الإسلامي في الحكومة لم يستطع أن يستفيد – إلا نادرا ومن خلال وزيرين أو ثلاثة أثبتوا أنهم رجال دولة حقا – من جو المساعدة الذي يوفر لهم عبر خطوات أخرى، وظل هذا الشق على حذر مثير للاستغراب، لا ينوه إلا بمايفعله هو، ويرى في الآخرين خصوما حقيقيين أو متخيلين، ويقول في السر إنه يشتغل مع أناس أدخل إلى أذهان الشعب عنهم إنهم لا يريدون الصالح العام، وأنهم يقفون حجر عثرة في وجه المشاريع التي يريد هذا الشق أن ينجزها لصالح الشعب.
تصوروا أن موضوعا إنسانيا مثل تعويضات الأرامل، لم يسلم هو الآخر من هذا اللعب، وتم التلويح عبر القناة الدائمة لهذا النوع من التلويح بأنه لاقى عرقلة كبرى من طرف التماسيح والعفاريت مرة أخرى، ولولا إصرار الرئيس ومقاومته لما مر، وقس على ذلك ماتريد من المقاصة إلي التقاعد إلى « بويا عمر » وبقية المواضيع الصالحة دوما للترويج الانتخابوي.
قد يكون الأمر حقيقيا، وفي هاته الحالة لا اشتغال في ظل انعدام الثقة وأجواء المؤامرات هاته وقمة احترام الشعب – ولا بأس ببعض الشعبوية مع محترفي الشعبوية – هو تقديم الاستقالة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو تقديم الاستقالة وكفى.
لكن قد يكون الأمر كاذبا، وفيه فقط تحايل على عدم القدرة على مواجهة مشاكل عويصة بالهروب من واجب مواجهتها، وذلك بإلقاء اللوم على المؤامرات والجهات الخفية وما إليه من الخزعبلات، وهنا أيضا نصل إلى نفس الخلاصة: عدم الصلاحية للتسيير إذا كان الأمر حقيقيا.
في الحالتين الأمر صعب للغاية. لذلك لندع الشعب يحكم، فهو يرى ما يقع بأم عينيه ويتابع انعكاسه على واقعه، وأكيد سيكون قد كون وجهة نظره أو جزءا أساسيا منها حول الموضوع، وأكيد أن هذا التصور سيتحكم في عديد الأشياء مستقبلا..
سنرى.
المختار لغزيوي