أضيف في 15 أكتوبر 2011 الساعة 32 : 22
«لا تستعجلوا دفن الاتحاد الاشتراكي... ربما يجب أخذه في الحساب خلال الانتخابات المقبلة» بهذه الحقيقة ودون غرور، تحدث المالكي ضيفاً على النادي الاقتصادي, وبحنكة المتمرس السياسي، سيحافظ الحبيب المالكي على هدوئه حتى عندما تحاول أسئلة مجموعة من الصحافيين استفزازه حول حصيلة الاتحاد الاشتراكي, الحزب التاريخي، التي تعتبرها ضعيفة في الشهور الأخيرة. أو حزبا متوارياً عندما تحاول أحزاب أخرى مثل التجمع الوطني للأحرار أو الأصالة والمعاصرة القيام بحركات استعراضية. لاشيء من ذلك، المالكي يعتبر أن المرتكزات الحقيقية للاتحاد الاشتراكي مازالت موجودة، ويقول «»الاتحاد الاشتراكي ليس بحاجة لشطحات لتأكيد وجوده«, وأنه »موجود بمواقفه من المشاكل العميقة التي تهم الحياة اليومية للمواطنين«« ولمن كانت ذاكرته ضعيفة، يذكر المالكي بالدور الذي لعبه الحزب في انطلاق مسلسل الإصلاح الدستوري. في سنة 2009 «»كنا الوحيدين الذين أثاروا الانتباه إلى ضرورة إطلاق دينامية جديدة للإصلاح العميق في الوقت الذي كان آخرون يعتبرون ذلك ترفاً». نعم، ولكن في خضم ذلك، كان هناك شيء اسمه حركة 20 فبراير، هنا أيضاً يعتبر الوزير السابق والأمين العام للمجلس الوطني للشباب والمستقبل أن حركة 20 فبراير لم تكن سوى »عنصر تسريع«، معتبرا أن ذلك يعد «»معركة اتخذت أشكالا متعددة وقادت إلى الخطاب الملكي ليوم 9 مارس«« ووصول هذه المعركة إلى إصلاح سياسي» «يشكل أحد أكبر لحظات القيادة الحالية للحزب الذي أثار النقاش ونبه إلى هذه القضية» اعتراف كان لابد من التذكير به رغم الانتقادات التي تعرضت لها هذه القيادة بخصوص تدبير بعض الملفات. ويعتبر المالكي أن قادة الحزب «لا يدبرون المشاكل بالخطاب، ولكن بالعمل ومن خلال الاجراءات الملموسة». الآن، لابد من الحديث عن الأشياء التي لا تسير كما يجب، لأنها موجودة. مثلا الحصيلة المتذبذبة للوزراء الاتحاديين، والتي تعود في جزء منها لضعف التفاوض حول توزيع الحقائب خلال تشكيل الأغلبية، والنتيجة أن الوزراء الاتحاديين تسلموا حقائب وزارية غير بارزة. لكن الحصيلة، حسب المالكي، ليست سوداء تماماً وأن حصيلة بعض الوزراء مثل »الشامي وعامر تبقى مشرفة، بالرغم من الظرفية غير المناسبة«« وبخصوص وزارة التشغيل، يعتبر المالكي أن الحصيلة المتذبذبة راجعة إلى الطبيعة المعقدة لهذا القطاع، ويدعو إلى تغيير تسمية هذه الوزارة، لأن الأمر يتعلق أكثر بوزارة »للشغل تدبر العلاقات الاجتماعية والتكوين المهني والضمان الاجتماعي وليست وزارة لخلق الشغل» وبموازاة مع ذلك، يؤكد المالكي أن «على الحزب أن يفاوض بشكل أفضل حقائبه في الحكومة المقبلة, »لكن شريطة أن تكون النتائج جيدة، كما نتوقع». وهناك أيضاً قضية تدبير الصراعات الداخلية للحزب من طرف القيادة الحالية، وهي مسألة تثير الانتقادات باستمرار، مثل تجميد محمد الأشعري وعلي بوعبيد لأنشطتهم داخل القيادة أو تواري محمد الكحص عن الساحة السياسية، يعترف المالكي، دون أن يتخذ موقفاً لصالح هذا أو ذاك، بأن الأمر يتعلق بأخطاء استراتيجية وأن »العلاقات بين مناضل أو إطار مع حزبه لا يجب أن تكون مبنية على المقايضة أو التفاوض«« ويوجه المالكي، مع ذلك «»نداء إلى كل الإخوة الذين بصموا بمساهماتهم تاريخ الحزب بدعمه في ما يقوم به حالياً» وعن حدود دعم الحزب» »للإخوة««، يمتنع المالكي عن رسم حدود، مثلا في قضية خالد عليوة في ملف القرض العقاري والسياحي وتطوراته القضائية المحتملة، يقول المالكي »»نحن جميعاً نساند جميع إخواننا، ولكننا ننتظر معرفة محتوى الملف. حتى الآن، لا توجد استقالة من الحزب وحتى الآن، ليس هناك شيء رسمي يتعلق بمتابعة من أي نوع«..» وبخصوص القضية الأخرى التي عاشتها قيادة الحزب هذه السنة، والمتعلقة بما تعرض له »الأخ طارق القباج« رئيس مجلس أكادير، الذي أعلن استقالته، ثم تراجع عنها فيما بعد، يؤكد المالكي أن »القباج كان بحاجة لدعم قوي من جانب إخوانه، مضيفاً أن الحزب سانده في هذه المعركة التي تنطوي على «»صراعات محلية بين أنصار الحكامة الجيدة وبعض الأطراف في مدينة ليست محايدة». ولأن الاتحاد يتوفر على العديد من أبرز الباحثين الاقتصاديين, ومن ضمنهم الحبيب المالكي، فمن الطبيعي أن يجعل الحزب من برنامجه الاقتصادي إحدى أبرز واجهات معركته الانتخابية المقبلة، وهو منكب على ذلك، فمنذ عدة أسابيع يستعد الحزب لوضع برنامج يهدف إلى تحقيق عدالة اجتماعية أكبر» وذلك يمر عبر إقرار «نمط تنموي جديد لا يرتكز فقط على الأوراش الكبرى», والفكرة حسب المالكي، هي »إعطاء أهمية أكبر للاستثمارات الخاصة الموجهة نحو تسريع التصنيع الذي يشكل رهانا كبيرا«, وبالتالي سيشجع على إحداث مناصب الشغل واستقرار النمو. تدبير أفضل للموارد البشرية من حيث التكوين يبقى أيضا عنصرا أساسيا في التنافسية. على المستوى الضريبي يدعو الحزب لوضع »»سياسة إدماجية موجهة نحو عدالة اجتماعية أكبر« «وهو ما سيسمح بتقليص «»أهمية الاقتصاد غير المهيكل، بفضل عفو ضريبي ونسب انتقالية ضعيفة» «وهدف تحقيق العدالة الاجتماعية يمر أيضا عبر إقرار ضريبة للتضامن تهم الثروات الكبرى. ولا يجب أن »تفهم هذه الضريبة» على أساس لا اقتصادي، بل يجب أن يؤخذ في الاعتبار هاجس تجانس اجتماعي أفضل»« مسألة تقليص الضريبة على القيمة المضافة مطروحة أيضا في برنامج الاتحاد والفكرة هي «»تشجيع الاستهلاك الشعبي» «حسب المالكي. ويتضمن برنامج الحزب أيضا سلسلة من الإجراءات لتشجيع الاستثمار الخاص, ويؤكد المالكي أن »الاتحاد الاشتراكي لا يعارض تخفيض الضريبة على الشركات, لكن شريطة أن يتم ذلك بطريقة مرنة، والفكرة هي تشجيع المقاولات التي تعمل في قطاعات جد تنافسية. وعلى مستوى الحماية الاجتماعية يدعو الاتحاد الاشتراكي في برنامجه إلى «»تعميم تدريجي، وليس متسرع، من خلال تقدير العواقب على المستوى المالي«« والتوجه الاجتماعي لبرنامج الحزب سيكون هدفه الأساسي هو اقناع أكبر عدد ممكن من المواطنين ولاسيما في أوساط الطبقات الشعبية. ويعترف المالكي بأن الظرفية الاقتصادية صعبة، وبرأيه فإن هذه الظروف القاسية تعود أولا إلى آفاق إنكماش الاقتصاد العالمي وخاصة في أوربا الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للمغرب، ولكن في الحقيقة العامل المؤثر أكثر هو عامل ظرفي مرتبط بالتحضير للانتخابات، ويرى المالكي أن الاستحقاق الانتخابي أثار توترات وتساؤلات لدى الفاعلين الاقتصاديين الذين مازالوا ينتظرون ما ستسفر عنه انتخابات 25 نونبر، وبالتالي «»ليس مفاجئا أن نرى الوثيرة السياسية تطغى على الوثيرة الاقتصادية«« وبصفته رئيسا للمركز المغربي للظرفية, استقرأ المالكي بالتفصيل مختلف المتغيرات المؤثرة بدءا بعجز الميزانية، ومثل وزير المالية، يراهن المالكي على »»عجز مقبول««يمكن تحمله »»العجز الذي يحمل في طياته نموا اقتصاديا يمكن تحمله هو عجز جيد«« ويرى المالكي أنه لا يجب أن نبقى سجناء لتعريف محاسباتي للعجز يقتصر فقط على قراءة حسابية للفرق بين المداخيل والنفقات، ويعتبر أنها »قراءة جيدة بالنسبة لصاحب دكان, ولكنها ليست كذلك بالنسبة للدولة«« بالمقابل يشير المالكي الى بعض الاختلالات فيما يتعلق باحتساب العجز, »فنفقات الاستثمار لا يجب أن تصنف ضمن اختلالات الميزانية، فهي نفقات حاملة للنمو. بالمقابل فإن نفقات التسيير هي بالضرورة غير منتجة، ولذلك يجب ضبطها في تطورها الزمني«. بخصوص ارتفاع نفقات صندوق المقاصة (45 مليار درهم) يرى« المالكي أن تفسير هذه الوضعية يعود الى عوامل خارجية تتعلق بارتفاع أسعار البترول والحبوب في الأسواق العالمية. والمغرب يستورد الجزء الأهم من استهلاكه من هذه المواد، وبالتالي لا يمكن لصندوق المقاصة إلا أن يتأثر بذلك, لكن هذا لا يمنع في نظره، ضرورة القيام بإصلاح هيكلي للصندوق. ويرى المالكي أن بلدا صاعدا كالمغرب لا يجب أن تكون له مقاربة للعجز مثل مقاربة دول تتوفر على اقتصاد ناضج. ويعتبر أن مقاربة وزير المالية مزوار «»مقاربة إرادية« «ليست خاطئة بالضرورة، لكن هذه »المقاربة الإرادية يجب أن تكون في خدمة تحقيق نمو اقتصادي قوي، وهو ما لم يحصل للأسف. فنحن نتوفر على هذه الإرادوية ولكننا لا نتوفر على سياسة تنموية شاملة ومنسجمة»» بمعنى آخر المالكي لا ينفي وجود تقدم استراتيجي مهم في بعض القطاعات, خاصة الصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والفلاحة، ولكنه يرى أن النمو لا يتحقق عبر جمع استراتيجيات قطاعية «»إنها دينامكية تنتج عن استراتيجية شاملة والانسجام والتداخل الوثيق بين السياسات القطاعية وهو ما لا يوجد اليوم، ويتأسف المالكي لغياب قيادة للاستراتيجية الاقتصادية للبلاد ويصف الوضعية الحالية »بالغوغائية التي تنجم حسب قوله عن انعكاسات السياسات القطاعية, والسبب أننا تخلينا عن المقاربة الاستراتيجية الحقيقية للمخطط القطاعي المفروض أن يكون إطارا للتشاور والتنسيق بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين. فهذا الإطار هو الذي يحدد أهداف النمو في بلد مثل بلدنا». ويعترف المالكي بأن الأمر يتعلق »بضعف حقيقي« ,وأن الصلاحيات الجديدة لرئيس الحكومة التي تضمنها الدستور الجديد ستمكن من قيادة أفضل للسياسات العمومية.
|