من عادات عبد الإله بن كيران ملامسة الألغام دون أن تنفجر تحت قدميه. هذه المرة، وتحت وطأة كيلوغرامات زائدة نتيجة وجبات حصاد انتخابي دسم، داس ابن كيران على اللغم مانحا آياه كل خيارات الانفجار.
موقف ابن كيران ضعيف اليوم في ملف الخمسين مليار درهم، ولا يمكن لأي تفسير أن يكون مقنعا في موضوع استغفاله لإطلاق يد اخنوش في صندوق دعم العالم القروي. هذا غريب نوعا ما، فمع فرض النية المبيتة، والمصيدة التي أوقع فيها الثلاثي بوسعيد واخنوش ولقجع، رئيس الحكومة، فالمفروض أن يكون ابن كيران محاطا بذهاقنة المحاسبة العامة، في الديوان أولا، في الحكومة ثانيا، ثم في الحزب ثالثا، هذا هو المستوى الأول من ضعف موقف ابن كيران في حكاية الخمسين مليار.
مستوى ثاني، من الضعف، هل يصح الآن “تخوين” عزيز اخنوش، حتى مع فرض عدم حياده السياسي؟ ابن كيران يعرف أن عزيز اخنوش رجل أعمال ناجح، ومقاول لا يشق له غبار، وفوق هذا وذاك رجل نظيف اليد، لا يتقاضى من خزينة الدولة درهما واحدا، بل الأكثر من هذا فمرتبات فريق العمل الخاص به داخل ديوان وزارة الفلاحة، من السائق إلى الموظفين تصرف من خزائن “أكوا”، حتى إن عضوا من ديوان الوزير طلب يوما تذكرة سفر لأكادير، من ميزانية الوزارة فأنكره المسؤول لأن اسمه غير موجود بثاثا ضمن طاقم الوزارة.
ثالث مستوى في ضعف موقف ابن كيران، في هذه الحكاية، وهو الأهم، رئيس الحكومة، نقي اليد، عفيف، زاهد، لا غبار في ذلك، ولا يمكن اليوم أن تفسر مطالبه بإبقاء صندوق تنمية العالم القروي، تحت تصرفه، محمل الشك في الذمة، ولكن ابن كيران رجل انتخابات وحيوان سياسي بارز، ولا حديث له خلال هذه الأيام إلا عن موطأ قدم في العالم القروي، ولا يمكن لهذه إلا أن تنسحب على تلك، فخمسون مليار درهم، وأكثر، كافية على امتداد سبع سنوات أن تجعل الأقدام راسخة، في القرى والمداشر والجبال والأودية.
في نفس المستوى، هل كانت الدولة “العميقة” كما يحلو لإخوان ابن كيران تسميتها، في حاجة لاستغفال ابن كيران في موضوع الخمسين مليارا؟ أبدا!!!! كان يكفي أن تحدث صندوقا خارجا عن تصرف الحكومة، وانتهى الأمر، ثم يسند لأخنوش الذي، سيكون قد قدم استقالته للتو، وتنتهي الحكاية هنا، كما انتهت حكاية صندوق الحسن الثاني للتنمية الذي بدأ سطرا في الميزانية كصندوق خاص، وانتهىً مؤسسة الآمر بالصرف فيها وزير المالية السابق محمد القباج ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري.
كان على الدولة “العميقة”، إن هي أرادت استغفال ابن كيران أن تقوم بأمر ثاني و”تهني الوقت” وتسند الصندوق لوزارة الداخلية، ألم تكن هي التي أنجزت دراسة حول حاجيات الدواوير، فهي الأدرى بما يجب أن يصرف وأين؟ كان هذا الخيار سيفتح نقاشا ثانيا على غرار الانتقادات الموجهة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكان على هذه الدولة، التي لا نعرف عمقها لحد الساعة أن تسند تدبير هذا الصندوق لوكالة أو صندوق مؤسس وقديم دون الكثير من الضجيج..
ابن كيران يعرف أكثر من غيره أن القطاعات الاجتماعية والرفع من مستوى الشرائح الشعبية يحسب في سجل الإنجازات التي يحتسب أجرها في الصناديق، وكان عليه أن يصارع كثيرا من أجل ميزانية تساوي سدس الميزانية العامة على سبع سنوات، وتهم ستة وعشرين ألف دوار ومدشر ما يعني ثلث ساكنة العالم القروي والجبال في المغرب.
قد يقول القائلون إن حياد أخنوش السياسي، نفسه مشكوك فيه، هذا يصدق في شق ما على الأقل ولكنه ليس كافيا، على كل حال لزرع فتن الشك وزعزعة ما بقي من ذرات الثقة في مكونات الحكومة في آخر سنة من عمرها.
كان على رئيس الحكومة أن يلتقط إشارات الخطاب الملكي ويعمل وفقها ويجنب الكل مرارة التشكيك والنرفزة، والعيش على الأعصاب.
وعلى كل حال فتدبير خمسين مليار درهم، كان يستوجب إحداث لجنة وزارية، موسعة موازاة مع إعداد قانون المالية، ليكون هامش الخطأ مقلصا، بل ليكون هامش المواجهة مقلصا.
الجيلالي بنحليمة