تصادف نقاش الإرث والمساواة فيه الذي فتحه المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإصداره لتقريره يوم الثلاثاء الماضي، مع الليلة الخاصة التي كانت تقدمها قناة “كنال بلوس” الفرنسية عن قضية المثلية في فرنسا وتطورها منذ ثمانينات القرن.
أي علاقة بين الإرث والمناصفة فيه، مثلما طالب بذلك مجلس حقوق الإنسان في بلادنا، وبين قضية المثلية الجنسية في فرنسا مثلما رصدتها عدسات قناة فرنسية تبعد عنا كيلومترات عديدة وتبعد عنا سنوات ضوئية؟
المقارنة الوحيدة الجائزة هي أن الفرنسيين وهم يطرحون تطورات قضية المثلية الجنسية في بلادهم، ومن خلال شهادات لأسماء مرموقة في كل العوالم عاشت هذا التطور بل وصنعته، تمكنوا من رصد قدرة العقل البشري على التطور وعلى تقبل الأفكار مع تقدم الزمن حتى تلك التي تبدو له في لحظة من اللحظات غير ممكنة التقبل، ومستحيلة، وستقسم المجتمع، وسترمي بالكل إلى الهلاك.
انتقلت عدسات الكاميرا الفرنسية ليلة الثلاثاء من اللحظة التي كانت فيها كريستين بوتان البرلمانية المحافظة تصرخ في وجه ليونيل جوسبان “ستبيد الأسرة الفرنسية، وسيحاكمك التاريخ” إلى لحظة أول زيجة بين رجلين وبين امرأتين لكي تعطي بذلك الدليل على أن المعارك المجتمعية لا تربح “بين يوم وليلة” مثلما غنت وردة، لكنها تربح على المدى الطويل.
ولعل الصدفة وحدها هي التي جعلت لحسن حداد وزير السياحة المغربي، يقول في الليلة ذاتها تعليقا على سؤال لزميلنا التيجيني حول موضوع الإرث والمناصفة فيه بين المرأة والرجل “أتتذكر صراع مدونة الأسرة؟ أتتذكر كيف انقسم المجتمع المغربي إلى قسمين؟ من كان يعتقد أننا سنصل إلى توافق حول هاته المدونة؟”.
تذكرنا حينها المسيرة الرباطية في مقابل المسيرة البيضاوية، وصراخ بعضنا في وجه بعضنا بكل أنواع السباب والشتم والتخوين والعمالة والتطرف والرجعية والعلمانية والرغبة في إبادة الأسرة المغربية والمساس بالدين، وما إلى ذلك من مرادفات الصراع حين سخونته واتقاده.
لكن وحين هدأنا وعدنا جميعا إلى جادة صوابنا، ناقشنا الموضوع بعقل أكبر وأقدر على العثور على بر توافقاتنا الشهيرة، واستطعنا أن نؤجل بعضا من الذي كان من الضروري تأجيله، وحققنا مكتسبات هامة في المجال، وبقيت نواقص عديدة تنتظر منا أن نصل لحظتها وأن نسارع إلى حلها لأنها تشكل عبئا وعيبا على الأسرة المغربية لن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام دون التخلص منهما معا.
في الإرث أيضا سنجدنا ذات يوم ملزمين بالجلوس بكل هدوء الكون مع أنفسنا أولا، ثم مع مجتمعنا ثانيا لكي نتفق على أنه لا وجود لأحد منا يريد المساس لا بالشرع ولا بالدين، ثم لكي نتحاور حول الأمر حوار العقلاء لاحوار المجانين.
سنطرح يوما أسئلتنا الحقيقة حول آية الذكر وحظ الأنثيين، سنستل من التفاسير أقربها إلى وقتنا الحالي، وسنترك تفاسير الوقت القديم يوم كان الرجل يذهب لحمل الحطب والإتيان ببعض القش لإشعال النار وللاعتناء بالإبل والأغنام، وكانت المرأة تنتظره في الخيمة إلى أن يعود.
سنفهم بالمقابل أننا في مجتمع مسلم بالفطرة، حفظ عن ظهر قلب عديد الآيات والسور والأحاديث، وأنه من غير الممكن هكذا وعلى حين غرة أن نغير تصوراته، أو معتقداته حتى وإن قدمناها له بأكثر أساليب الحجاج والبرهنة عقلانية وبداهة.
سنعود لكي نتذكر مجددا أنه من الضروري أن يسبقنا أكثرنا عقلا إلى المحطات التي يجب أن ندخلها، وأننا لن نقف عند عتبات التاريخ الأولى مكبلين بالقديم من الفهم، وإن تغير الزمان، وإن تبدل الوقت، وإن أصبحت النساء أكثر من شقائق للرجال، بل أصبحن معيلات لرجال عديدين يجلسون اليوم بطوله في المنازل.
ثم سنقول لأنفسنا مرة أخرى إن عادات المجتمع وتقاليده ليست سهلة التجاوز هكذا، وأننا ملزمون بالسير سير ضعفائنا، وملزمون أساسا بالعثور على السند أو لنقل التأصيل لما نريد القيام به لصالح بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وقريباتنا وزوجاتنا وصديقاتنا من داخل المنظومة الفكرية والدينية التي ننتمي إليها لئلا نتهم بأننا نريد المساس بهاته المنظومة.
ومع ذلك سنعود لكي نقول إن هاته المنظومة الدينية والفكرية التي ننتمي إليها وتنتمي إلينا هي منظومة فتحت باب الاجتهاد على مصراعيه، وجعلت الدين مجال تيسير على الناس لاتعسير عليهم، وسنستل من ذاكراتنا أو على الأقل من ذاكرة من طالع كتبنا التراثية عديد الفقهاء والأئمة الذين امتلكوا لحظة الشجاعة قوة قول الحق وإن قدموا رقابهم نظير ذلك.
ومرة أخرى سنتذكر مجتمعنا وتعقيداتنا وبقية التفاصيل. لسنا وحيدين في البلد سواء كنا متدينين نريد أن نحكم فقط بما أنزل الله، أو كنا علمانيين نرى أنه من اللازم للعقل البشري أن يسير العقل البشري في أمور الدنيا. سنضطر أن نرى الآخر وأن نضع أنفسنا مكانه، لا أن نسبه أو نسارع لتسفيهه أو تخوينه أو تكفيره أو الحكم عليه بالتخلف، لكن فقط بمحاولة فهمه، ومحاولة رؤية الأمور بمنظاره هو لكي نستطيع أن نشرح له تصورنا نحن للمسائل عندما سيضع هو الآخر نفسه في مكاننا.
هذا التوافق المغربي الشهير، القائم على “الرأسين” الأشهر وفق المقولة المأِثورة لدينا “واحد الراس كيقول لي هادي والراس لاخور كيقول ليا الأخرى”، هو جوهر شخصيتنا، وهو لب مجتمعنا.
ستمر لحظة تحمسنا القصوى التي تعترينا حين نسمع بالأمر المرة الأولى، ثم ستخلي العاطفة مكانها للعقل لكي يشرع في التفكير وطرح السؤال: وماذا لو كان الأمر معقولا حقا؟ وماذا لو كان فيه خير عميم للمرأة وللرجل؟ وماذا لو كان الإقدام عليه تطبيقا حقيقيا لروح الإسلام التي ترفض الظلم الذي حرمه رب العالمين على نفسه وجعله حراما بيننا؟.
سنسأل أنفسنا بعد السباب والشتم وووصلات حديثنا الشهيرة كثير الأسئلة، ولعمري هذا هو أفضل ما نجح فيه تقرير مجلس حقوق الإنسان: أن يدفعنا لاعتناق الأسئلة مجددا لكي نحرك الدماغ الراكد فينا.
هاته الإجابات الجاهزة، وهاته اليقينيات الزائفة التي تكبلنا من كل مكان قهرتنا، وقد حان الوقت للاستجابة لغواية السؤال وإن كان حارقا، عسانا نتعلم اليوم أو غدا (أو بعد حين طويل) ألا نخشى الأسئلة، وأن نبحث عن إجاباتها الأكثر صلاحا لنا حقا، لا الأكثر صلاحا لمن عاشوا قبلنا بعشرات القرون.
تعليقات الزوّار
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها
1- الفتنة نائمة فلعنة الله على من أيقضها
متتبع
أيهااليزمي لفتان حتى تكون منطقيا ومنصفا في خرجتك المريبة التي هي حق يراد به باطل ، فإنه كان عليك أن تعزز فتوتك الضالة بإعفاءالرجل من واجبات الصداق وبالمساواة بين الرجل والمرأة في النفقة والحضانة وفي لباس التنورة القصيرة ، وفي التزيين بالحلي الذهبية والفضية ، وبتغيير قاعدة الخطبة بأن تخطب المرأة الرجل .ثم بعد هذا
هل لك أن تتحلى بقليل من الصواب لتجيب على التساؤلات التالية : في الزواج المثلي من عليه أن يحمل في بطنه الجنين من الرجلين ؟ ومن عليه برمي الحيوان المنوي من المرأتين ؟ ومن الملزم بالنفقة والحضانة في الزواج المثلي ؟ وما حكم الإرث في الزواج المثلي ؟