ممنوع أن تشكك في الرواية الحقوقية. حين يقول لك الأصدقاء المناضلون إنهم يخوضون إضرابا عن الطعام، عليك أن تقول بكل بلاهة الكون “آمين”. أن تردد أنت الآخر إنهم مضربون، وأن تنتظر نتائج المزايدات في الختام.
تماما مثلما يقع حينما يفتح المزاد “آلا أونا، ألا دوي، ألا تري. آدجيجي”، ثم تشرع اللعبة في الاستمرار مع منتوج آخر يريد البيع والشراء.
ممنوع أن تحتفظ لنفسك بمسافة من بعض اليقينيات الزائفة التي تحرك القوم هنا أو هناك. عندما ترتاب من بعض الذين لا رابط بينهم وبين النضال، وتقول إنه من الصعب عليك فعلا أن تقتنع أن هؤلاء يريدون خيرا بك وببلدك، وأن تصدق أن المصلحة العامة المسكينة هي التي تحركهم.
عليك هنا أيضا، وإن كنت تعرف القوم جيدا أن تنسى كل ماتعرفه وأن تتذكر مايقال لك عبر مواقعهم الصديقة: هم مناضلون وكفى. إما أن تصفق لهم وتصبح من الجوقة الإعلامية إياها، وتدخل جنان النضال، وإلا فإن الأوصاف جاهزة “وماعطا الله غير هي”.
ممنوع أيضا أن يكون لك رأي مخالف في عديد النقاشات في البلد. هناك اختيار واحد من إثنين: إما أن تكون مع صرعة المناضلين الجدد، أو قل بالدارجة “أولئك اللي عاد قطر بيهم السقف”، ويتصورون أن النضال ابتدأ في المغرب مع فاتح يناير 2015، أو أنك في الضفة الأخرى: مع المخزن، ومع باعة اللقاءات ومشتريه، ومع من وضعوا أيديهم في أيدي كل القوى للوقوف ضد التغيير وموجات التغيير المتدفقة على أيدي آلهة النضال الجدد.
ممنوع أن تكتب بطريقة أخرى، أن تقارب الأمور بطريقة أخرى، أن تبحث في دواخلها عن المعقول والأقل اقترابا من الجدية، والأكثر بعدا من القدرة على الإقناع، وأن تحاول أن تفهم قبل أن تعتنق الأفكار أو المعارك أو النزالات الوهمية مع طواحين الهواء. عليك فقط أن تردد مايقوله لك الأسياد أولئك الذين خبروا النضال قبلك، ويعرفون مايفعلون ويعرفون أساسا ثمن كل مايفعلون.
ممنوع أن تحب وطنك، وأن تبحث له كل يوم عن كوة ضوء جديدة تطل من خلالها عليه، أن تنقب عن قليل امتلاء في كأس يريدونه أن يبدو لك فارغا، أن تلتمس العذر تلو العذر لمسافات بلدك نحو التخلص من كل أثقال الماضي. عليك أن تكون مثلهم باحثا فقط عن البؤس وعن الكوارث وعن الأمور السيئة لكي تطعم بها سيرتك المهنية التي تعرف في قرارة نفسك أنك لم تقدمها ولن تقدمها يوما إلا لهذا الوطن.
ممنوع أن تكتب عن الوطن لأجل الوطن. هم لا يعرفون هذا الأمر ولايعترفون به ولن يعرفوه أبدا. تماما مثلما تأتيهم التوجيهات والتعليمات يبحثون لك عن بعض من محركات بحث هنا وهناك، وعندما لا يجدون، يكتفون بالتباس الاتهام البعيد، وبإصرارهم الغبي على أن هناك شيئا ما لم يصلوا إليه ولكنه موجود.
قالها الشاعر المصري ذات يوم “وفكل يوم في حبك تزيد الممنوعات”، وكان يقصد بها البهية مصر، ولا بأس من ترديدها في وجه الراغبين في إخافتنا لئلا نطرح عليهم الأسئلة البديهية اليوم وغدا وإلى آخر الأيام، فقط لكي نعرف إن كانوا يناضلون حقا لأجل هذا الوطن الذي يضمنا بين جناحيه جميعا أم أن نضالهم هو مجرد لقمة عيش يعتقدون أننا بإصرارنا على تعريتهم سننتزعها من أفواههم، دون أن يكونوا قادرين على الإيمان أن “الله هو اللي كيرزق ماشي البراني” الذي يطعمهم أبدا.
أكيد سنواصل معهم بكل عناد الكون إلى أن نعرف ونتأكد إن كانوا مهتمين بمآل البلد، أم مجرد ملحوظات لاعلاقة لها بماسبق تبيع وتشتري باسمنا في مزادات الإنسانية كلها أينما وجدت وبكل العملات.
المختار لغزيوي.