قضية الإرث تطرح إشكالات وتثير جدلا بين مكونات المجتمع السياسية والثقافية، لكن الكل يقدم أجوبة بعيدة عن أسئلة الشعب. أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمساواة بين المرأة والرجل في الإرث، وهي مطلب لبعض الجمعيات النسائية، كما سبق لإدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، أن طالب بإعادة النظر في أحكام الإرث. ينص الفصل 161 من الدستور على أن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال". يبقى دور المجلس هو النظر في القضايا المطروحة على المجتمع والمتعلقة باختصاصه، طبعا هو ليست له الأدوات لتنزيل رؤاه في الواقع، ولكن لديه وسائل للدفاع عنها. غير أن المجلس لا ينبغي أن يصبح وسيطا بين الجمعيات والرأي العام والمؤسسات، فللجمعيات وسائلها التواصلية، ولكن عليه أن يبني رؤية تهم المجلس باعتباره مؤسسة تعددية، فاليوم المجلس قدم رؤية بعض الجمعيات وبالتالي فإنها ليست رؤية تعددية كما هو مفروض فيه. الاجتهاد في الإرث مطلوب. لكن لا ينبغي النظر إليه من زاوية واحدة. لابد من تمحيصه من الناحية السوسيولوجية. هل يقبل المغاربة الذكور اقتسام الإرث مع شقيقاتهم؟ لأن أي قانون لابد أن يراعي التطورات المجتمعية. فهل يتوفر المجلس على دراسة من هذا النوع؟ وفي الجهة الأخرى يوجد المجلس العلمي الأعلى، الذي يتوفر على الإمكانيات اللازمة للبحث والاجتهاد والتجديد والانفتاح على باقي المذاهب الإسلامية بدون استثناء قصد إيجاد أجوبة على أسئلة لم تكن مطروحة في عصر الرسالة، ويخرج من السكن المريح في اجتهاد الفقهاء في التاريخ. المعروف عن الفقهاء المغاربة أنهم يبزون فقهاء العالم الإسلامي ويتفوقون عليهم في الكثير من المسائل والقضايا، ولا يقنع علماء المغرب بالمراتب الدنيا بل ذهبوا إلى أعلى المطالب وأشبعوها بحثا، وكانت لهم اجتهادات نادرة، دون الحيد عن أصول المذهب قيد أنملة لكن كانوا ضد الجمود. اليوم يعرف العالم تطورات كبيرة وتُطرح على المسلم المتشرع. هذه الأسئلة تحتاج إلى اجتهادات حقيقية. فقضية الإرث لا يمكن أن تبقى خاضعة لأحكام العصر التأسيسي، الذي كان عصرا ثوريا بالقياس إلى الظروف الاجتماعية والسياسية وإلى الشروط العالمية وما كان متوفرا من حقوق اجتماعية. والاجتهاد يتطلب الانفتاح على المذاهب الأخرى والمسامحة في تقرير المسائل الفقهية. لنعط مثالا حتى لا نكون من أصحاب لوك الكلام. في الفقه الإسلامي إذا توفي رجل وترك إرثا وليس له سوى بنت أو بنات يتم اللجوء إلى التعصيب والبحث عن ذكر يرث مع البنت وقد يأخذ أكثر منها. بينما يوجد في مذهب إسلامي آخر أن التعصيب من أعمال الجاهلية والبنت ترث كل التركة لوحدها. ويوجد طرف ثالث نرى أنه "خاشي نيفو" في الموضوع ويتعلق الأمر بحركة التوحيد والإصلاح ولم يراع التطورات السوسيولوجية والدينية. وإذا كان المجلس يراعي التعددية في استشاراته وكان المجلس العلمي الأعلى مُقصرا في الاجتهاد، فما الذي يحشر الحركة في موضوع أكبر منها وهي لم تنتج علماء بقدر ما أنتجت خطباء ناطقين باسم المؤسسات الدعوية في المشرق. على اليزمي والصبار التريث في المطالب وإنجاز دراسات قبلية وعلى المجلس العلمي الأعلى القيام باجتهادات ومن لا يملك ما يقوله فالموضوع لا "ينبح" باسم الدفاع عن الشريعة في الوقت الذي يدافع عن الذكورة.