لا يمكن بناء دول قوية دون سريان مفعول القانون. إذا اختلت موازين القانون انهار بناء الدولة. والمغرب في سياق بنائه للمؤسسات جعل من القضاء سلطة مستقلة، ولا يمكن أن يكون هناك قضاء مستقل إن لم يكن هناك جو يمارس فيه وظيفته بعيدا عن ضغط الإعلام والجمعيات والأحزاب. مناسبة هذا الكلام هو ما يجري اليوم في المغرب، حيث بدأت تطفو على السطح ظاهرة غريبة، هو وجود أشخاص يعتقدون أنهم محميون فقط لأنهم ينتمون لجمعيات أو تيارات أو لهم علاقات معينة هنا وهناك، سواء بالداخل أو الخارج، وهذه الحماية تخولهم فعل أي شيء خارج القانون، وهذه الحماية تمنعهم من الوقوف أمام العدالة. أبرز نموذج اليوم هو حالة المعطي منجيب، رئيس شركة "مركز ابن رشد للدراسات"، وحالة سعيد العلواني صاحب شركة المواد الفاسدة، فكل واحد منهما يقوم اليوم بحركات هروبا من القضاء. المعطي منجيب يخوض إضرابا عن الطعام بمجرد استدعائه للاستماع إليه في قضية تتعلق بتحويلات مالية من هولندا، أموال قادمة من مؤسسة تولى تلقيها مركز هو في الأصل يخضع لنظام الشركات. لم يتم إنجاز محضر للشرطة وطولب منه التوقيع على أقوال لم يدل بها، ولم يتم تخويفه أو تعذيبه للتوقيع على محاضر مزورة ولم يُعرض على المحكمة. لماذا يخوض إضرابا عن الطعام؟ الإضراب عن الطعام هو آخر وسيلة يلجأ إليها الإنسان بعد أن تُسد في وجهه جميع الأبواب. المعطي منجيب يشتكي من أنه ممنوع من مغادرة التراب الوطني، وهذا قرار قضائي، ولا أحد بمستطاعه نقض أي قرار قضائي إلا بقرار مماثل. فبدل أن يلجأ إلى الإضراب عن الطعام كان على "المؤرخ" أن يؤرخ لهذه اللحظة برفع دعوى قضائية استعجالية يتم البت فيها في 24 ساعة، وحينها إذا شعر منجيب بحيف يمكن أن يستأنف من خلال غرفة المشورة وإذا شعر بحيف له وسائل أخرى للاحتجاج آخرها الإضراب عن الطعام. لكن لماذا بدأ منجيب بآخر ما كان ينبغي أن ينتهي إليه؟ لأنه لا يريد الحقيقة. المفروض في منجيب أن يذهب مرفوع الرأس ليقف أمام المحققين ويواجههم بما لديه من وثائق، ويدافع عن أحقيته في تلقي أموال الدعم وفق القانون ويبين أوجه صرفها. لكن بحركته هذه فهو يؤكد التهمة على نفسه. النموذج الثاني يتعلق بسعيد العلواني. هذا الشخص متهم في قضايا الإرهاب. وللقضاء وحده تأكيد التهمة أو منحه البراءة. لكن الثابت أن مصالح الأمن ضبطت لديه عشرات الأطنان من المواد الفاسدة، التي كان يوزعها في كل ربوع المغرب، ويواجه اليوم ليس تهمة توزيع المواد المغشوشة ولكن تهمة تمويل الإرهاب. هو اليوم أمام القضاء لكن عائلته اختارت الأرض المحروقة وخرجت في ندوة صحفية قضتها كلها في التباكي. وكي تمارس المجموعة الضغط نقلت لنا ما كتبته نيويورك تايمز، التي لأول مرة نعرف أنها قرآن منزل عند دعاة التبعية. هذه الصحيفة قوية في أمريكا لكنها تجهل تمام الواقع المغربي وما كتبته مجرد لعبة استخباراتية صغيرة بل إنها لا تتوفر حتى على مراسل صغير بالمغرب غير تقارير السفارة الأمريكية بالرباط وهي تقارير في غالبيتها تعتمد على أشباه منجيب.