في أقصى التقديرات، كانت التوقعات تسير في اتجاه أن تنهي الانتخابات الجماعية والجهوية حالة النشاز الدستوري الذي تعيشه مؤسسات الديمقراطية المحلية، ومعها مجلس المستشارين، فمنذ 2011 والملاءمة بين الدستور الجديد والمؤسسات المنبثقة عن دستور 1996، تتدحرج من سنة إلى أخرى، وزاد التأكيد على إنهاء مرحلة الأحكام الدستورية الانتقالية الاستعجال السياسي الذي فرضته رهانات الجهوية الموسعة في علاقتها بتدبير ملف الصحراء.
غير أن نتائج هذا المسلسل الانتخابي الذي امتد من الرابع شتنبر إلى الثاني من أكتوبر وبعدها لحظة انتخاب رئيس مجلس المستشارين، فاقت كل التوقعات، ومن تنافس انتخابي تشير كل المعطيات الرقمية إلى أنه لن يأتي بمفاجآت كبيرة، خرجت من الصناديق ومن كواليس الأحزاب مفاجآت كبرى، أقلها النتائج الباهرة التي حققها حزب العدالة والتنمية في المدن، وأكثرها ما يبرز هذه الأيام من مؤشرات عن التوجه نحو إعادة هيكلة مشهد التحالفات السياسية، والذي من شأنه أن يلق بالمعادلات التي رسمتها لحظة انسحاب حزب الرستقلال من الحكومة.
لقد كان فوز حزب الأصالة والمعاصرة برئاسة مجلس المستشارين الجمعة الماضي بمثابة تلك اللحظة التي تشكلت فيها تكتلات سياسية جديدة، في واجهة منها توجد أحزاب الأصالة والمعارصة والتجمع والحركة والاتحاد الدستوري …، وفي الكتلة المقابلة اصطفت لأول مرة أحزاب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية والنقابات المحسوبة على اليسار والإسلاميين.
غير أن بوادر هذا الاصطفاف الجديد، كانت قد ظهرت منذ اللحظة التي بعثرت فيها انتخابات رؤساء الجهات التحالفات القائمة، تمرد التجمع والحركة على حلفائهم في الأغلبية، وأعلن الاستقلال انسحابه من المعارضة ومساندته النقدية لحكومة، دون أن يخفي الاتحاد الاشتراكي امتعاضه من حليفه الذي كان يسميه بـ«الوافد الجديد».
هل هي بوادر خارطة سياسية جديدة؟، لا بلاغات رسمية حتى الآن، وليست هناك تصريحات صادرة عن كبار قادة الأحزاب باستثناء تلميحات حميد شباط هنا وهناك، لكن التوجه العام داخل حزب الإستقلال على الأقل يسير في اتجاه بدء صفحة جديدة مع حزب العدالة والتنمية، وهو ما وجد له صدى لدى قيادين في الحزب الإسلامي من أمثال عبد العالي حامي الدين، أما جريدة «العلم» فقد ذهبت إلى ذلك بوضوح، وهي تؤكد أن «انتخابات رئاسة مجلس المستشارين صححت مسار التحالفات».
وإن شئنا التوقف عند الحد الأدنى من المواقف الرسمية، يمكن أن نورد تصريح عادل بنحمزة النطاق الرسمي باسم الاستقلاليين، والذي قال لـ«الأحداث المغربية» في عددها أول أمس الخميس تصويت العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية لفائدة مرشح الاستقلال بمثابة «رسالة لنا في حزب الاستقلال من عدد من القوى الوطنية الديمقراطية، ومن واجبنا التعاطي معها بما تستحق من جدية ومن التزام، وهذا يفرض على الجميع القيام بنقد ذاتي بناء، وذلك لامتلاك القدرة على بناء علاقات في المستقبل تتجاوز الأخطاء المشتركة أو تلك التي ارتكبها كل طرف على حدى، على امتداد المرحلة السابقة».
وأضاف بنحمزة «أن الواقع يدفع هذه القوى لتكون في جبهة واحدة وأن تنتصر على ذاتها وعلى تقديراتها في المرحلة السابقة، فهي مجتمعة تشكل الأمل الباقي لمواجهة مشاريع التحكم والتي تعودنا أن تحمل مظاهر مختلفة على امتداد التاريخ السياسي المعاصر.
وفي جانب العدالة والتنمية، صرح مقرب من الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أمس الجمعة للزميل الجيلالي بنحليمة «على العموم الإشارات تبقى إيجابية ونحن نتتظر أكثر من مجرد التصريحات في الصحف». ولم يكشف مصدر الجريدة ينتظره فعلا حزب العدالة والتنمية من الاستقلاليين، واكتفى فقط بالقول «نحن الآن في انتظار ما يمكن أن يطور هذا، ولكننا لن نسعى لشيء، والأمر لا يتعلق بحزب الاستقلال لوحده بل حتى بحزب الاتحاد الاشتراكي».
في نهاية المطاف يتعلق الأمر بتعبيرات محتشمة عن قناعات أولية، هل تذهب إلى مداها الأقصى الذي فتحه الاستقلاليون بإعلان مساندتهم النقدية للحكومة، وتبلغ الذروة السنة المقبلة في تشكيل الحكومة الجديدة، أم أنها مجرد ردود فعل لحظية وانفعالية على معطيات سياسية طرفية. لا أحد يستطيع الجزم بهذا أو ذاك، مادام أن السياسة في المغرب لا تسير دائما كما يمكن أن نتوقعه بحساب الأرقام والتصريحات. وعلى كل حال، يتعلق الأمر بمخاض، في انتظار الإنجاب أو الإجهاض.
يونس دافقير.