في كل مرة كان الملك يسافر إلى الخارج يلتف حوله عدد من المغاربة يتحدثون إليه بعضهم يسأله عن حاله وأحواله كسائر المغاربة حين التقائهم، بعضهم الآخر يسر إليه بمشاكله مع الإدارة أو مع السلطات، لكن لا أحد في رأيي ألف كتابا حول هذه اللقاءات، باستثناء الشخص الذي لم يستطع اللقاء به بعدما أدانه القضاء في قضية نصب واحتيال والذي أقام الدنيا ولم يقعدها كي يصبح مستشارا رياضيا بوزارة الشبيبة والرياضة لكنه لم يفلح، ليتمخض فكره، إذا كان له فكر، عن كتاب تحت عنوان «الرجل الذي أراد الحديث إلى الملك»! كان مناسبة لاستضافته على قناة تي في 5 أول أمس، وهو الكتاب المنسوب للصحافية المبتزة كاتريين غراسييه.
الرجل أعاد نفس الترهات التي ظل يحكيها، لكنه هذه المرة وبعد أن حصل على الجنسية الفرنسية أخرج جواز سفره ومزقه مباشرة على الهواء. وبالرغم من أن جواز السفر يبقى وثيقة شخصية دورها هو السماح لكل شخص بالتنقل خارج بلده الأصلي بصفته وجنسيته، إلا أنها تعبر في الوقت نفسه عن هويته وعن السيادة التي تتمتع بها الدولة التي ينتمي إليها وحق حامله على الدولة التي أصدرت جواز السفر في حمايته.
تمزيق وثائق الهوية هو تعبير عن عدم الانتماء، غير أنه في الوقت نفسه يحمل في طياته إهانة للبلد الذي رفض الخضوع لـ«الشانطاج» وهي العملية التي تكررت مع المومني منذ حصوله على ميدالية ذهبية في رياضة اللايت كونتاكت وزن 69 كلغ خلال بطولة للهواة أجريت في أكتوبر 1999 بمدينة لافاليت بمالطا، إذ بمجرد وصوله إلى المغرب حتى طالب السلطات بتعيينه مستشارا بوزارة الشبيبة والرياضة (!) وهو الطلب الذي مافتئ يثيره كلما حل بالمغرب، بل أكثر من ذلك توجه إلى القصر الملكي للحصول على طلبه.
قصة هذا الشخص بدأت بقضية نصب واحتيال وسعي الحائز على بطولة عالمية وهمية في الملاكمة أنكرتها الجامعة الملكية للفول واللايت كونتاكت في بلاغ لها، إلى تدويل قضية وتحويلها إلى قضية تعذيب، مدعيا أنه تعرض لاحتجاز سري من قبل أجهزة المخابرات المغربية، مع العلم أن القضية لا تستحق تدخل هذه الأجهزة وأن المسطرة القضائية سلكتها الشرطة القضائية التي أحالت ملفه على القضاء. ففي سنة 2010 تقدم مشتكيان إلى المحكمة الابتدائية بالرباط بشكاية ضد زكريا المومني بتهمة النصب وانتحال صفة. الشرطة القضائية فتحت تحقيقا في الموضوع وأصدرت مذكرة بحث في حقه إلى أن تم اعتقاله بعد سبعة أشهر وإحالته على المحاكمة التي رفض خلالها الاستعانة بالمحامي الذي تم تعيينه للدفاع عنه وأصر على أن يقوم بهذا الدور بنفسه دون أن يطلب حينها أي خبرة طبية أو ادعاء بتعرض للتعذيب.
بعد أسبوع أصدرت المحكمة حكمها ضد زكرياء المومني المتهم بالنصب والقاضي بالسجن ثلاث سنوات، ثم تقلص الحكم إلى سنتين بعد الاستئناف ثم إلى عشرين شهرا بعد قرار محكمة النقض إلغاء الحكم الاستئنافي وإعادة المحاكمة، غير أن المتهم المدان لم يمض كامل عقوبته في السجن بعد خروجه مستفيدا من العفو الملكي.
قصة المومني لم تنته عند هذا الحد بل أوحت له بنات أفكاره بتحرير رسالة إلى وزير الداخلية (محند العنصر أنذاك) يدعوه فيها إلى تمويل مشروع له بباريس بقيمة خمسة ملايين أورو، وهو نادي للملاكمة المحترفة تفوق مساحته 400 متر مربع، وذلك حسب رأيه كتعويض عن الحكم الصادر ضده في قضية النصب والاحتيال، وأمام رفض السلطات المغربية هذا الطلب ومحاولته التفاوض مع وزير الداخلية رفقة زوجته الفرنسية، بدأت عملية الابتزاز التي تحولت إلى تشهير وإساءة إلى المغرب بعد أن تدخلت أطراف أخرى في الملف.
خرجات هذا الشخص تكررت في الإعلام الفرنسي وتضمنت عبارات تشهيرية بالمغرب الشيء الذي دفع السلطات المغربية إلى مقاضاته بالمحكمة الابتدائية بباريس في فبراير الماضي، وكان وراء الأزمة الديبلوماسية بين المغرب وفرنسا وذلك عندما توجهت الشرطة الفرنسية إلى السفارة المغربية بباريس بمذكرة اعتقال في حق عبد اللطيف الحموشي المسؤول عن الديستي والذي يوجه له زكريا المومني عدة اتهامات.
الخلاصة أن زكريا المومني يعتبر كل فرصة سانحة للإساءة إلى المغرب، ولم يكن تمزيق جواز السفر على شاشة «تي في 5» سوى مشهد جديد من مسرحية قديمة!!
محمد أبويهدة AHDATH.INF